أعترف أننى أخطأت فى حق محمود عوض..
ظللت لسنوات أمر على مقالاته المطولة فى جريدة الحياة اللندنية مثل عابر سبيل يتفرج على واجهة المحلات التجارية، وأمر على كتبه مثل مشتر ليس عنده رغبة حقيقية فى الشراء، أقلب الصفحات والعناوين، متشككا فى جاذبيتها، وما يمكن أن تضيفه إلى وعيى.. وفى لحظة ما، فتحت الصفحات الأولى من كتابه بالعربى الجريح، ودخلت ولم أخرج، غرقت واندمجت واشتريت مثلما أشترى من الكتاب الكبار القريبين من روحى الذين أحتفظ بكتبهم فى مكتبة خاصة تمثل قائمة الكبار، وعرفت عندئذ أننى كنت مخطئا فى حق نفسى.
محمود عوض كاتب سهل ومتواضع ، وحتى يكون كذلك يبذل مجهودا كبيرا فى الاستعداد للسادة القراء قبل أن يشرع فى التقدم إليهم بالكتابة، مثل أى عازف كبير يعزف " لايف" ، أو ممثل مسرحى يحب مهنته، يعرف أنه يتوجه لجمهور ينتظره ويراقبه فى الوقت نفسه، وعليه أن يكون مستعدا بتركيز فى كل لحظة وكل حركة، أو كل كلمة، ولذلك نجد فى كتابات محمود عوض إلماما موسوعيا بالموضوع الذى يتناوله، ليس من باب التكلف، وإنما هى المعرفة والثقافة عندما يوظفهما الكاتب الكبير لخدمة القراء، ونجد فيها الحشد المعلوماتى مضفورا بسلاسة وشياكة، ليس استعراضا ولا ملء مساحات، وإنما من قبيل الواجب المفروض الذى يعزز وجهة النظر التى يحاول البرهان عليها، ومن باب القيمة المضافة التى يجد أنه مطالب بتقديمها لكل قارئ فى كل مرة يتقدم فيها إليه بالكتابة، ومن هنا تواضعه، وهنا أيضا قيمته ومكانته الكبيرة.
محمود عوض كان يعتز كثيرا بلقب الكاتب، والمدقق فى أحاديثه وكتاباته يجده يفرق بين الكاتب وعابر السبيل، من الممتهنين حرفة الكتابة، فالكاتب عنده، هو من يضع لنفسه معايير للاطلاع والتعلم والإنتاج، فبدون هذه المعايير يفقد الكاتب مشروعيته، ويتحول إلى أى زبون على أى مقهى يفتى فى الموضوعات الرائجة من فتاوى الفضائيات إلى السياسة الخارجية، وكتاباته أيضا تضعك مباشرة أمام هذا المعيار الذى وضعه لنفسه، وتضعك أمام اختيارين: هل تريد أن تكون كاتبا أم عابر السبيل؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة