خالد صلاح

الطموح السياسى لرئيس الوزراء!!

الجمعة، 11 سبتمبر 2009 02:33 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تسألنى إن كانت النميمة السياسية على موائد السحور والإفطار فى رمضان حلالا أم حراما؟ هذا السؤال محله دار الإفتاء، أما أنا فأقول لك إن هذه النميمة حادثة لا محال، ومنتشرة بلا هوادة، وبطلها الأول، فى هذه الأيام المباركة هو الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء، الرجل صار ضيفا أساسيا فى مختلف المناسبات الرمضانية التى تجمع تيارات مختلفة من السياسيين من داخل الحزب الوطنى أو من خارجه، ومعارضين من داخل البرلمان أو من خارجه، فرئيس الوزراء، بإجماع استطلاعات الرأى على هذه الموائد، صار علامة استفهام كبيرة، وموضوعا أساسيا فى الحوارات حول أسباب اهتمامه المفاجئ بالظهور المكثف فى الصحف على غير العادة، واختلاقه المناسبات غير التى تفرضه على الصفحات الأولى من غير تخطيط مسبق، وعن شغفه الحالى بالقرب من دوائر إعلامية وسياسية داخل مصر وخارجها لم يكن يفكر فى الاقتراب منها، أو لم يكن يخطط لتقريبها إليه من قبل!

لم يكن رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف يميل فى السابق إلى دعوة رؤساء تحرير الصحف الحكومية إلى الاجتماعات الفنية المتخصصة بين الوزراء أو الهيئات الرسمية فى الدولة، كان الرجل يكتفى بأن يخرج الدكتور مجدى راضى المتحدث باسم مجلس الوزراء ليعلن بعض التفاصيل والمعلومات لمندوبى الصحف عن المشروعات الجديدة أو القرارات التنفيذية التى وافق عليها، أو دعا إليها رئيس الوزراء ثم ينتهى الأمر عند هذا الحد، معلومات جافة، وأرقام مصمتة، وصحف جاهزة على الدوام لأن تنشر كل ما يرد إليها من رئاسة الوزراء بلا تدخل أو تعليق أو مراقبة، وحتى من دون جسر من الحميمية والفهم الواعى لامتلاك القدرة على شرح ما يجرى للناس.

لكن نظيف اليوم، وعلى غير العادة، يظهر حرصا أكبر على مشاركة رؤساء تحرير صحف الحكومة ووكالة الأخبار الرسمية (وكالة أنباء الشرق الأوسط) فى اجتماعاته التنفيذية وزياراته الميدانية، ويبدى اهتماما أكبر بحضور قنوات التليفزيون العامة والخاصة والإعلاميين المحسوبين على جهاز الدولة فى لقاءاته الرسمية وجولاته فى الهيئات العامة أو مواقع المشروعات، وربما ظهر هذا الاهتمام جليا فى سلسلة الاجتماعات التى أجراها نظيف مؤخرا حول قضية مياه الشرب والصرف الصحى وزياراته لمعامل التنقية، والتى دعا إليها نخبة من الكتاب المعروفين بولائهم للحكومة، وعدد من رؤساء تحرير الصحف الرسمية، ففى أوقات متقاربة كان نظيف حريصا على أن يجاوره عبدالله حسن, رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط، كما دعا بنفسه ممتاز القط, رئيس تحرير أخبار اليوم, إلى اجتماع تنفيذى، كما شارك الكاتبين على هاشم رئيس مجلس إدارة دار التحرير، ومحمد على إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية فى حوار ساخن مع أوائل الثانوية العامة، غير مسبوق من ناحية المستوى السياسى لرئيس الوزراء.

أتفهم هنا منطق رئيس الوزراء الذى يسعى جاهدا لاحتواء موجات النقد المتتالية على الحكومة، خاصة بعد مأساة قرية البرادعة فى القليوبية وما أصابها من تلوث أدى لانتشار حمى التيفود بين أهالى القرية، ثم ما تلا ذلك من معلومات حول انتشار زراعة آلاف الأفدنة بمياه الصرف الصحى والصناعى، ثم المشكلات المتكررة لانقطاع التيار الكهربائى بصورة منتظمة فى عدد من مدن المحافظات، أو غياب مياه الشرب النقية فى عدد آخر من الأقاليم، أو موجات الغضب العمالية المتلاحقة، كل ذلك يغطى بالطبع على ما يرى الدكتور نظيف أنه قد حققه من (معجزات) اقتصادية حمت مصر من آثار الأزمة المالية العالمية، أو من معدلات النمو التى حافظ على اتزانها رغم العاصفة التى اجتاحت العالم بمشرقيه ومغربيه.

أتفهم كذلك حال رئيس الوزراء الآن وهو يشعر أن كثيرا مما يبذله من جهد يذهب سدى دون أن يشعر به أحد، ورئيس الوزراء يشعر كذلك أن الكتب الفاخرة فى الدعاية للحكومة لم تثمر رواجا أو تسويقا لصورته على عكس ما كان يتصور، أو على الأقل عكس ما أوحى به إليه مستشاروه الإعلاميون.

ورغم ما تنشره الصحف الحكومية يوميا من أخبار ومعلومات يحررها مسئولو العلاقات العامة بالوزارات، فإن صورة الحكومة لا تزال محل شك فى الشارع، ورغم كل الأرقام المشرقة التى يجرى إعلانها فى كل مناسبة، أو بدون مناسبة أحيانا، فإن الإحساس العام لدى نظيف بأن الشارع لا يشعر بكاريزمته التاريخية فى الإدارة، وأن الجماهير لن تهتف باسمه يوما، أضف إلى ذلك أن الرجل يعرف أن ما مضى من زمن فى السلطة لن يأتى مثله من جديد، فالانتخابات البرلمانية فى نوفمبر من العام المقبل، وتليها انتخابات الرئاسة، ومن ثم فإن الظروف التى جعلته رجل المرحلة ستتغير حتما، ويصعب عليه أو على الظرف السياسى أن يسمح له بأن يضرب رقما قياسيا جديدا فى توليه منصب رئاسة الوزراء، كل هذه الهواجس تدفع الدكتور نظيف إلى الاهتمام بصورته العامة بين الناس، وإلى إعادة صياغة مشروعه الدعائى، وإلى المزيد من التواصل مع رؤساء التحرير فى الصحف الحكومية، وإلى التزام الصمت تجاه الإعلانات الحكومية الوفيرة على القنوات الفضائية الخاصة والعامة، وإلى إظهار قدر أكثر من التبسط والتأكيد على إطلاعه السياسى، لا الاقتصادى والتنفيذى والإدارى فحسب، فى لقاءاته العامة كأن يلتقى أوائل الثانوية العامة على غير العادة، أو يسمح بسقف أعلى من الحوار فى اللقاء مع كوادر الجامعات فى معسكرات الشباب الصيفية.
نظيف اليوم يعيد بناء صورته بشكل مختلف، نظيف اليوم أصبح رجل دعاية كبير، نظيف اليوم يضع عينه للمرة الأولى على درجات قبوله بين الناس، وعلى مستوى شعبيته بين المواطنين وبين النخب على حد سواء.

هذا التحول اللافت يثير علامات استفهام فى تقديرى، هل يخطط الرجل لما هو أبعد من تصحيح صورة الحكومة؟!
هل يبادر إلى ذلك من باب التواصل وفتح أبواب الحوار، أم أن نواياه فى هذه الدعاية الجديدة تصل إلى أبعد من ذلك؟
هل يقوم الدكتور نظيف بهذا الجهد الدعائى من وحى مكانته الوظيفية كرئيس للوزراء، أم من وحى طموحاته لما هو أبعد من ذلك، فالرجل الذى مارس الإدارة والسلطة والسياسة، والرجل الذى يرى فى نفسه كاريزما إدارية خلاقة، ربما تحمله طموحاته إلى المزيد من النشاط والعمل والمشاركة والتأثير.. والسلطة؟

لا أظن أن هذا الجهد الدعائى الذى يمارسه رئيس الوزراء هدفه الأول إطالة فترة بقائه على كرسى الحكومة فحسب!! لكن الراجح عندى أن نظيف أصابته حمى السياسة وبريق السلطة إلى الحد الذى يخطط فيه من اليوم لسيناريوهات ما بعد رحيله عن الحكومة، على المستوى السياسى، والبرلمانى، والحزبى، أو ربما على مستويات أخرى لا نعلمها، ويعلمها هو والمقربون من حوله.

لا أظن أن الطموح السياسى يشكل عيبا فى حد ذاته، ولا يمكننى أن ألقى اللوم على رجل يرى فى نفسه القدرة على المشاركة والمنافسة فى أى ميدان من ميادين السياسة، لكن كل ما يهمنى هنا ألا تكون دعايته لنفسه أو ترتيباته لما بعد رئاسة الوزراء إضافة جديدة على بنود الإنفاق فى المال العام.

نظيف كأى رجل آخر فى الحزب وفى الحكومة من حقه أن يحلم، ومن حقه أن يستثمر خبراته بالطريقة التى يراها، ومن حقه أن يشارك فى كل الميادين قبل وبعد رحيله من السلطة، لكن الأهم أن رهانه على نفسه لا يجيز له أن يضاعف اهتمامه بالدعاية المكثفة على هذا النحو المفاجئ فى هذا الوقت القصير المتبقى من عمر الحكومة، ليعوض سنوات العمل فى صمت، ويهمنى أيضا أن يدرك رؤساء تحرير الصحف الحكومية المقربون من دولة رئيس الوزراء هذا الخط الفاصل بين الدعاية للدولة وجهازها التنفيذى ممثلا فى الحكومة ورئيسها، وبين الدعاية لشخص واحد، فى ظرف استثنائى لافت للانتباه، وفى توقيت مثير للاهتمام ومفجر للهواجس، من زاوية مواسم الانتخابات الكبرى المقبلة فى مصر.
مجرد أسئلة!!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة