بيجعر بيقول إيه ده؟ إيه الدوشة دى؟ بقى ده مطرب ده؟ أعوذ بالله من غضب الله. الله يرحم أيام الست. لو الست عايشة كانت ماتت لو سمعت الأغانى دى، بقى حد يسمع الهباب ده؟ !!
كلاشيهات معلبة يرددها الكثيرون والكثيرات، أولاد الناس، وبنات الذوات، المثقفون "نون" ـ كما يسميهم زياد رحبانى ـ والمثقفات "فات" كما لم يسميهن أحد.
إلا أن أبرز هذه الكلاشيهات وأقواها وأشدها "عنصرية" هو "ياى" التى تخرج من أفواه هؤلاء "الصفوة" كلما سمعوا أغنية "شعبية" يؤديها عبد الإسكندرانى، أو بحر أبو جريشة، مجدى طلعت، أو رمضان البرنس، أومجدى الشرينى، أو على وهشام، أو خالد الطيب، طارق الشيخ، أو العربى الصغير أو عبد الباسط حمودة، أو محمود الليثى، أو محمود الحسينى، أو غيرهم، لكن ما أن تبدأ الأغنية حتى تجد الأكتاف تهتز، والرؤوس تتمايل، والشفاه تتمتم بالكوبليهات، بل إن بعضهم يحفظها كلها، وهذه الحالة تشبة العلاقة السرية التى لا تنمو إلا فى الظلام، ويخاف من يمارسها أن ينفضح أمره، فيسقط من نظر المجتمع لأنه يسمع هذه الأغانى الـ "ياى".
الحداثة كحالة ثقافية، تثبت خطأ هؤلاء جميعا، فمن ضمن شروطها أن يتنازل الإنسان عن ميوله واتجاهاته ووجهات نظره المسبقة، كلما قرأ، سمع، رأى، شيئا جديدا، كما تشترط أن يرى الإنسان الأمور بحيادية وموضوعية، خاصة أنه إذا تأملنا هذه الأغانى فسجدها تجسد هواجس وخيالات ورغبات "الإنسان" مهما كانت ثقافته، بل والأهم من ذلك إنها على الرغم من بساطتها تبدو أخلاقية ومحافظة، فبعضها يستثمر الموروث الصوفى مثلما يفعل محمود الليثى، وبعضها يدين التصرفات السئية مثل أغنية قوليلى يا خاينة لعبد الباسط حمودة، وبعضها يجسد حالة الانهزام التى أصابت كل المجتمع، ويفضح السلوكيات المنحطة كخيانة الأصحاب، وعدم احترام الجيرة، وعدم الحياء كما فى أغنية دقيقة حداد لطارق الشيخ.
فى الآن ذاته تمثل هذه الأغانى طفرة نوعية، لما يتم طرحه كأغانٍ رسمية، تعج بها قنوات التليفزيون الأرضية والفضائية، لأن هذه الأغانى ـ المرضى عنهاـ تدور حول أحد معنين لا لا ثالث لهما، الأول: حبيتك وبحبك ولما شوفتك الدنيا بقت زهور وورود، والثانى: خيانة وغدر ودموع وألم واستحلاف وتوعد برد الصاع صاعين، وبناء على هذا انقسمت الأغانى إلى (حب أو دراما) فيما لم تقتصر الأغانى الـ"ياى" على هذين المعنين وتعدت معانيها لتؤكد على إنسانية الإنسان البيسطة فى معظم تقلباته النفسية والاجتماعية.
المقامات الشرقية هى ما تميز أغانى البسطاء، ولذلك تجد معظم سامعى الأغانى الشعبية يعشقون الفنان جورج وسوف، لأنه مازال ماحافظا على سمته الشرقى حتى فى أغانيه السريعة الإيقاع، وتجدهم ينتقون بعض الأغانى من المطربين "الفافى" ليضموها إلى قائمتهم المفضلة.
مطربو الأغانى الشعبية مظلومون، لأنهم غالبا ما يتم وضعهم فى مقارنة مع محترفى الفن وصانعيه، فى الوقت الذى لا يدعون هم ذلك، ولا يطمعون إلا فى التعبير عن شخصيتهم ووجداناتهم، التى قد تتماثل مع الكثير من البشر، ويظلمون أيضا من دارسى وباحثى الفولكلور إذ يعتبرونهم خارج التصنيف "الشعبى" ناسين لكل مجتمع "شعبيته" فالقاهرة تختلف عن بحرى أو قبلى، وما أحوجنا الآن لتسجيل هذه الأغانى وتوثيقها قبل أن تضيع ويضيع معها الإنسان الذى ابتكرها، لذلك يجب أن ينظر لهم المجتمع بتسامح أكثر، وأن يستمع إلى عدوية مثلما يستمع إلى فيروز.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة