أيا كان اختلافنا مع فاروق حسنى حول إدارته لملفات الثقافة المصرية، لا نملك أمام ما تعرض له، فى انتخابات اليونسكو، إلا أن نتعاطف معه ونحييه، فى الوقت الذى تمور داخلنا دوامات الغضب والشعور بعدم العدالة فى هذا العالم الذى ما زالت تسيطر عليه آليات الاستعمار البغيض، وتظهر فيه بوضوح مقولة "كيبلنج" شاعر الإمبراطورية البريطانية قبل أن تغرب عنها الشمس "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا".
الشعور بالغضب وعدم العدالة، بل وجرح الكرامة، ليس لأن المرشح المصرى خسر مقعد مدير اليونسكو فى الانتخابات، ولكن هذا الشعور مرده الطريقة التى تم التعامل بها مع مرشح الجنوب فاروق حسنى لكسره أولا، ثم لاستبعاده بطريقة عبرت عنها النمساوية بنيتا فريرو، المرشحة المنسحبة من السباق والضالعة فى المؤامرة الغربية بقولها: "هنا، أى فى انتخابات اليونسكو، لا شىء سوى السياسة وحساباتها".
حسابات السياسة الغربية لم تسمح للمرشح المصرى بالوصول إلى مقعد اليونسكو، لأنه سيأتى بأجندة الجنوب المعتدلة والعادلة تجاه قضايا مثل القدس والتراث العالمى وعلاقة الشمال بالجنوب القائمة على الحوار، وليس على التبعية، تقوم على اعتبار التراث الذى ينهار فى مناطق المذابح والحروب فى أفريقيا ليس أقل من التراث الأوربى، كما أن تراث الهنود الحمر السكان الأصليين للأراضى الأمريكية ليس أقل أهمية من حضارة الرجل الأبيض الذى قتلهم فى حروب الإبادة المسجلة.
مثل هذا الموقف الإنسانى العادل لم يكن للكاوبوى الأمريكى وحلفائه من العنصريين الشماليين أن يسمحوا بتمريره، لأنه سيضعهم مباشرة أمام حساب الأخطاء والخطايا تجاه شعوب الجنوب، وفى مقدمتها خطايا الثقافة التى تصنع الوعى لدى سكان الجنوب بما يجعل منهم مجموعة من القابلين لسياسات الشمال الغنى ناهب الثروة والمتحكم فى السلطة معا.
نعود للمؤامرة التى تم تدبيرها ضد المرشح المصرى، وكيف برزت فى الجولتين الرابعة والخامسة، فى شكل التوحد الغربى الشمالى ضد الجنوب الأفريقى واللاتينى، الذى فرغ اليونسكو من مضمونها وجعلها صراعا يدور بين الشمال والجنوب، الأمر الذى دفع فاروق حسنى إلى التوجه لوفود أمريكا اللاتينية وأفريقيا مهنئا على مقاومة المحتل الغربى، ومثل كل المعارك التى خاضها الجنوب ضد الاستعمار الغربى، تنتهى حركات المقاومة على الأرض أو فى انتخابات اليونسكو بخيانة أو تفريط أو قبول للإغراء الصغير وانصياع لتهديد القوى الباطش، لينهزم أصحاب الأرض وأصحاب الحق أمام المد الاستعمارى إلى حين.
المؤكد أن التراجع أمام المد الاستعمارى على الأرض أو فى الثقافة، لا بد وأن يتبعه تبلور وعى مضاد، يجعل من الهزيمة فرصة لمراجعة الحسابات واتخاذ المواقف الملائمة، وفى سياق ما حدث فى انتخابات اليونسكو، أعتقد أن الشمال الأوربى الأمريكى قد خسر كل ما يتعلق بمزاعمه عن حوار الثقافات والتعايش الإنسانى، والعمل لمصلحة الكوكب، وهى الشعارات التى توضع على المحك فى اللحظات الفاصلة، لكننا ننساها حينا ونتعامى عن رؤيتها أحياناً.
حسنى يخسر رئاسة اليونسكو بفارق 4 أصوات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة