هو فيه كده فى مصر؟ كان هذا تعليق أحد زوار نادى هليوبوليس يوم إجراء انتخابات مجلس الإدارة. آلاف الناخبين توافدوا على صناديق الاقتراع بنظام رغم الزحام، تنظيم دقيق دون شوشرة ولا افتعال ولاصريخ ولا عويل، كل المتنافسين على عضوية المجلس من القوائم المختلفة وقفوا متجاورين دون مشاجرة ولا حتى احتكاك واحد بين مناصريهم، وبالتالى لا داعى لأى تواجد أمنى إلا الأمن الداخلى للنادى الذى كان دوره فرض النظام وليس مواجهة الاشتباكات التى دائماً ما تكون مُتوقعة فى أى انتخابات مماثلة، حتى أن الجدل بين الناخبين من الأعضاء لم يكن حول مؤامرة عصابة فلان أو بلطجية علان بل كان على المرشح الذى سيغير وضع السباحة أوالذى سيرفع من مستوى الملاعب أو المرشح الذى لم يعمل بشكل كاف فى أى دورة سابقة. طبعاً فيه كده فى مصر، بل إن كل ما حدث فى هذه الانتخابات يعكس جزئياً ما يحدث أوما يمكن أن يحدث فى مصر.. ناخب محتَرَم فى فكره وسلوكه إذا وَثق فيمن يفرز صوته أياً كان مَن يختاره وإذا وَجد مرشَح يحترم مطالبه سواء صوّت له أو لمنافسه. على مستوى الرئاسة وجد كثير من الناخبين أنفسهم بين مطرقة الخبرة المتراكمة التى أفادتهم طويلاً، ولكن حان وقت تغييرها وسندان التجديد حتى إن كان رغبة خالصة فى التغيير دون ثقة مطلقة فيمن يأتى به، وقرروا اختيار التجديد؛ وستحسم السنوات الأربعة القادمة الحكم فى هذا الجدل.
أما الهم الأكبر والمنافسة الأقوى فكانت لاختيار أعضاء المجلس. مشاركة الناخبين فى هذه الدورة وصلت إلى ضعف مثيلتها فى الدورة السابقة، وربما كان وراء هذا الإقبال الهائل سببان، رغبة قوية فى الإصلاح، وتنوع هائل فى شخصيات المرشحين وقدراتهم وهو ما أعطى أملاً كبيراً فى إحداث الإصلاح. لم يجد الناخب نفسه مضطراً لاختيار أفضل السيئين بل على العكس كان فى بعض الأحيان يصعب عليه المفاضلة بين المرشحين، فلان حقق كذا وذاك متفرغ لخدمة النادى وعِلان يمكن أن يُصلح هذه المشكلة أو تلك. عندما يصل المرشحون بالناخب إلى هذا المستوى من الثقة ينتقلون به من مرحلة الأمل فى السَتر والاستمرارية إلى مرحلة التطلع للأفضل، وهنا تكمن الخطوة الأولى نحو التطوير والإصلاح وهنا أيضاً يُسقِط الناخب، فى سبيل تحقيق مصالحه واحترامه لنفسه ولمن يمثله، كل مُرشح يحاول مجرد التلويح بشراء صوته. هذه صورة لانتخابات حدثت فى مصر ويمكن أن تتكرر إذا بدأ التغيير فى المُرشح لا فى الناخب، فى النوادى والمجالس المحلية ومجلسى الشعب والشورى وغيرهم. يبقى مُنَّغِص خطير: كيف لهؤلاء الناخبين الذين وصلوا إلى هذا المستوى الفكرى الراقى الذى مكّنهم وبكل سهولة من إسقاط مرشح ما فقط لأنه أسرف فى حملته الانتخابية وحاول استمالة البعض بالهدايا والموبايلات، أن يكون بينهم مَن يرفض التصويت لمرشح لمجرد أنه قبطى أو امرأة؟ المسألة ليست فى وجوب اختيار قبطى أو امرأة، بالعكس هى فى عدم جواز السماح لهذا المنطق فى الدخول فى حسابات مثل هذه الانتخابات النزيهة التى تعكس نضوج فكرى وثقافى. كَون أن المجلس لم يكن به يوماً عضو مسيحى ليس مبرراً للبعض ألا يختاروا قبطياً وكون المُرشح امرأة ليس مبرراً لعدم النظر فى قدراتها على إنجاز مهام العمل الاجتماعى؛ وعلى المرشحين قبل الناخبين الانتباه لخطورة أن تعكّر هذه التوجهات رُقى انتخاباتهم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة