"الآخر"، قصة فرنسية تحكى عن شاب فى العشرينيات يتطلع كل يوم صباحاً من شرفته، وهناك رجل كهل يعبر الطريق يومياً يؤدى له التحية والسلام من خلال الإيماءات بالرأس، وتمر الأيام والسنين وتتوطد هذه العلاقة بين الشاب والكهل دون كلمات..
وفى يوم مشئوم إذ ينهار منزل الشاب ويحاول رجال الإنقاذ إخراج الأحياء، وبعد جهود مضنية لم يُعَثر على أحياء بالمنزل المنكوب، وفجأة صمتت جميع الآلات ووسط الصمت يسمع الجميع صوت مدوى "هنا شخص حى لا بد من الحفر هنا"، يزداد الصوت صراخاً هنا شاب حى وتحت إصرار الرجل المسن يبحث رجال الإنقاذ فى المكان، فقد تم إخراج الشاب حيا.
تعجب الجميع من أين عرفت ؟! ومن أنت؟! وما علاقتك بهذا الشاب؟! يتحدث الرجل بعد هدوء نفس: إنه الآخر بالنسبة لى..فالآخر لا يتوقف على جنس ولا سن ولا دين ولا لون إحساس ، الربط بين اثنين بدون كلمات مشاعر قيمة رقيقة سامية بين البشر وبعضهم البعض.
وجيه إقلاديوس
تعرًّفت عليه من خلال الرسائل الإلكترونية، أدركت أنه رجل له فكر ورؤية.. وطنى من طراز نادر، حارب بالعمل كل المخترقين المنتمين لثقافات غير مصرية، رجل له مواقف ثابتة لم يتزعزع عنها أهمها حب الوطن، والوقوف مع التيارات المعتدلة الوطنية.
ساهم فى مؤسسات المجتمع المدنى رغم قسوة الحكم الديكتاتورى، شارك كعضو مؤسس فى مصريين ضد التمييز الدينى، ومؤسس فى حزب المستقبل للمرحوم الوطنى فرج فودة، وكان عضوا بمركز الكلمة لحقوق الإنسان، وعضو سابق بحزب الوفد، وعضو بالاتحاد المصرى لحقوق الإنسان.
جاهد كل الجهد لرفع الظلم والغبن عن المضطهدين والمعذبين، طالب بالعدل للأقباط والبهائيين، وشملت كلماته هدفا واحدا عودة مصر لأصولها المصرية رافضاً كل الهويات، معتبراً الهوية المصرية قمة الفخر والمجد لأبناء مصر الشرفاء.
تعرفت على أخى وصديقى العزيز من خلال تعليقاته اللاذعة ومن خلال الروابط الإلكترونية التى يرسلها للجميع، مقالات ليس لشخص عادى بل وطنى مصرى، أدركت أنه شخص عنيد محارب وعرفت بعد ذلك أنه رشح نفسه عن دائرة شبرا وعن دائرة الظاهر، لم يخضع لإرهاب الإرهابيين وحيتان البلد، بل حاول وجاهد ويكفى إصراره ليؤكد للجميع أننا هنا...
موت العظماء
عاش من أجل مصر، وغادر عالمنا وقلبه ممتلئ بحب مصر، وبتعبير أدق الأمة المصرية، هكذا حال العظماء هدفهم تجميع الأمة المصرية لا فرق بين مسلم مسيحى بهائى قرآنى سنى شيعي، فبالحب وقف الأستاذ كمال مغيث فى حفل تأبينه فى الكنيسة ليعبر عن حب المصريين بعضهم لبعض، وقد شارك فى تأبينه نخبة من أبناء مصر الشرفاء أمثال الأستاذ أسامة الأنصارى، والدكتور كمال مغيث، والدكتور منير مجاهد، والأستاذ سامى حرك، وآخرون من أسرة الأمة المصرية، هكذا حال العظماء، حتى بموتهم يجمعون وينشرون الحب للآخر وينشرون السلام بين أبناء الوطن الواحد.
أخيراً لقد تأخرت فى كتابة مقال عن أخى وصديقى الأستاذ وجيه إقلاديوس الراحل من عالمنا الفانى يوم 20 أغسطس العام السابق، لقد كان صديقا وأخا عزيزا لى، أسجل فخرى واعتزازى بك ومصر فخورة بشخصك البار المحب لها ولتاريخها العظيم، والمجتمع المدنى فخور بكونك كنت عضوا مؤسسا ومؤثرا فى المجتمع المدنى، وأنا شخصياً فخور بك أخى الغالى.. فرغم رحيلك عن عالمنا الفانى، لكنك ما زلت تعيش فى قلوب من أحبوك من المصريين الشرفاء المحبين لمصر.
الآخر ليست قصة خيالية!!! بل من المنطقى أن تكون قصة واقعية، فأخى الغالى وجيه إقلاديوس ليس هو الآخر بالنسبة لى فقط بل للكثير من المصريين الشرفاء محبى تراب مصر الغالى الثمين. جمعت حفلة تأبين الأستاذ وجيه إقلاديوس فى الكنيسة مسلمين وأقباط شرعوا يتحدثون عن رمز للمحبة والتسامح والعطاء وحب الوطن.
عضو الحزب الوطنى عبد الأحد جمال الدين أثناء الانتخابات استخدم شعار دينياً "قل هو الله أحد..." فانتخبوا عبد الأحد، ليفرق بين الشعب المصرى، بينما صديقى وجيه حتى برحيله جمع عنصرى الأمة المصرية. ارقد بسلامة أخى الغالى أطلب لكَ نياحاً فى أحضان القديسين .
" لا يموت الإنسان إلا حين لا يتذكره أحد ".. برتوليت بريشت شاعر وكاتب ألمانى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة