إذا كنت مصرياً مسلماً ما هو شعورك عندما تشاهد شاباً مسيحياً يمارس الفاحشة بمنتهى البجاحة مع ساقطة محجبة من ديروط فى صعيد مصر؟ وما هى أحاسيسك عندما تقرأ أن شاباً مسيحياً بائساً استدرج طفلة مسلمة أكثر بؤساً، وقام باغتصابها دون رحمة فى أحد الحقول بمدينة فرشوط بصعيد مصر أيضا؟
أما إذا كنت مصريا مسيحيا ما الذى ينتابك عندما تتكرر عملية هروب واختفاء الفتيات المسيحيات بصحبة، ابن الجيران، ثم تظهر المختفية بعد أيام، وهى ترتدى الحجاب؟ إلى أين يتجه تفكيرك لو عرفت أن زوجة صديقك هربت فجأة وتركت أطفالها، ثم تظهر بعد ذلك بصحبة زميلها المسلم، بعد أن يتزوجا؟
هذه عينة من القضايا اليومية التى تعصف بأواصر الوحدة الوطنية وتهدم ما تبقى من ثقة واعتزاز بين عنصرى الأمة المصرية، واللتين طالما عاشا معا كنسيج واحد فى ود واحترام منصهرين فى بوتقة الولاء والانتماء لهذا الوطن..أى مصرى متابع للعلاقة الهشة بين المسيحيين والمسلمين، لاسيما فى محافظات الصعيد، سيتوقع المذبحة البشرية البشعة التى شهدتها مطرانية نجع حمادى فى محافظة قنا ليلة الاحتفال بعيد الميلاد، فالأجواء المشحونة والحوادث المتلاحقة بين الجانبين فى قرى ومدن الصعيد فى الفترة الأخيرة، تشير جميعها إلى أن حادثاً من هذا النوع سيقع لا محالة.. ناهيك عن حقن المشاعر داخليا وخارجيا، هنا لا تتحمل أجهزة الأمن وحدها المسئولية بل إن البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة ووسائل الإعلام، كلهم شركاء أيضا فى تحمل مسئولية تردى تلك العلاقة التى ظلت صامدة أمام كل المحن والاختبارات عبر التاريخ.
إن القسم الأكبر مما حدث فى تلك الليلة الحزينة، يقع على عاتق قادة العمل الحزبى والأهلى وكبار العائلات فى الجانبين.. الجميع ترك الدماء تغلى فى عروق الشباب المسلم الغاضب من تداول صور تلك الفتاة المسلمة وهى تمارس الرذيلة مع الشاب المسيحى المهووس الذى لم يكتف بارتكابه جريمة أخلاقية شنيعة تحرمها كل الأديان السماوية، بل أقدم على تعميم الفضيحة، وطبعها هو وغيره على "سى دى" ثم وزعها هنا وهناك، وهو ما فجر بركان الغضب الكامن داخل النفوس بعد أن انتشرت أسرع من البرق عبر مواقع النت والتليفونات المحمولة، فى كل مكان.
كان يجب التصدى لهذه الجريمة منذ وقوعها، وابتكار أساليب مختلفة لمعالجة آثارها والعمل على منع تكرارها بكل الوسائل الممكنة واستشعار مدى خطورتها، وما سيترتب عليها من تدمير للثقة بين الطرفين.. فجريمة من هذا النوع كفيلة بإشعال نار الفتن والحروب الأهلية التى يصعب محاصرتها أو السيطرة عليها، خاصة فى المجتمع الصعيدى المعروف بحساسيته تجاه الفضائح الأخلاقية وطبيعة نظرته لجرائم الشرف بالذات.
مذبحة كاتدرائية نجع حمادى، يجب أن تقرع أجراس الخطر، لتنبه الجميع أن هناك تدهورا حقيقيا فى علاقة المسلمين والمسيحيين، فإما أن تتحركوا بسرعة لوقف تدهورها وحقن الدماء بينهما، وإما أن ننتظر مزيداً من حوادث الانتقام والانتقام المضاد.. فى هذه الحالة ربما نستبدل شعار "الدين لله والوطن للجميع" وهو الشعار الذى تربينا عليه صغاراً بشعار آخر "الدين لله والوطن للغربان" بعد أن تنتشر فيه الفتنة ويعمه الخراب وندخل فى دوامة طائفية لا نهاية لها.
الأمر الذى يجب أن ندركه جميعا أيضا أن الخطر لن يستثنى أحدا، وأن المسيحيين والمسلمين فى الهم سواء، فالفقر والقهر والظلم لا يعرف الفرق بين الهلال والصليب ولا يميز بين الأديان.. فما حدث من المسيحى المنحرف ومن المسلم المتهور هو إفراز طبيعى لانهيار منظومة القيم والأخلاق التى كانت حصنا للوحدة الوطنية وجدارا "فولاذيا" يحمى المجتمع ضد أى عبث طائفى أو صراع عقائدى على مر السنين.. فالحقيقة الغائبة التى يعانى منها المجتمع المصرى بمسلميه ومسيحيه، هى ضياع الهوية الوطنية، وغياب القيادة القدوة، وتكاثر المنافقين فى مختلف المواقع، وإعلاء شأن الانتهازيين، مع طغيان المادة على كافة مناحى الحياة، كل هذا وغيره جعلنا جميعا ننزلق نحو هاوية سحيقة لا يعلم مصيرها إلا الله.. دعونا نزرع المحبة بدلا من الحقد وننشر السلام بدلا من الكراهية حتى تظل وحدتنا الوطنية سياجا قويا ضد الفساد ولنفوت الفرصة على المتربصين بنا فى كل مكان.
• رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة