من المتوقع أن تصور بعض الصحف الغربية مثل وول ستريت جورنال حادث اعتداء نجع حمادى، باعتباره جزءاً من حرب دينية بين المسلمين والأقباط فى مصر.. لكن غير المتوقع والمرفوض أيضاً أن تنحو مؤسسة دينية كبرى مثل الفاتيكان هذا النحو، تصريحاً أو تلميحاً، لذلك لا يوجد تبرير للدعوة، التى وجهتها قيادة الكاثوليك فى العالم إلى الأقباط المصريين بأن يبقوا موحدين فى مواجهة القمع.
مفهوم ومرفوض أن تبالغ وول ستريت جورنال فى اعتداء نجع حمادى البشع لعدة أسباب، منها المعلومات المغلوطة التى تصل مراسلى الصحف الغربية عامة عن طبيعة "العداوات" وكيفية "التنفيث" عنها فى الصعيد، أو الرغبة فى تهويل الأمور عندما يتعلق الأمر بحادث يحمل صيغة طائفية، وصولاً إلى حالة الشحن الإعلامى التى تكرسها مواقع قبطية تصور المجتمع المصرى على أنه منقسم بين المسلمين والأقباط على غرار السيخ والمسلمين فى الهند أو البيض والزنوج فى أمريكا بداية القرن العشرين.
نعم هناك مشاكل يعانى منها الأقباط فى مصر، مثلما تعانى المرأة المصرية من مشاكل مجتمعية، ومثلما يعانى المصريون جميعاً من مشاكل فى بناء الحريات والتعبير عن الحقوق، لكنها جميعها مشكلات مجتمع يمر بمرحلة مخاض وتحول عنيف ينتقل فيها من طور الدولة الشمولية إلى نموذج الدولة العصرية المتعددة، وهذا التحول يواجه بعقبات هائلة بعضها فى النظام الإدارى والسياسى للدولة، وبعضها فى الأعراف الحاكمة للمجتمع نفسه، وبعضها فى تصارع فئات وأطياف المجتمع، وصولاً إلى عقد اجتماعى جديد يعبر عن التغيير والتحول الطارئ الذى يتشكل من خلاله مجتمعنا الجديد بقيمه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الجديدة .
والمتأمل فى هذه التحولات يدرك جيداً أن الحرب الدينية أو الصراع الطائفى فى مصر ليس على هذه الصورة إلا عند من يتوقفون أمام نموذج الدولة الشمولية وهو نموذج اهتز بشدة خلال العقد الأخير والأمر كذلك ينسحب على مشكلات المرأة وفقراء الدخل الذين باتوا يمثلون حراكاً اجتماعياً بارزاً ضمن المجتمع الجديد الآخذ فى التشكل، وكذلك فقراء القدرة الذين يعانون من نقص فى الحقوق وفى التعبير عنها معاً وهؤلاء أصبحوا مع عمليات التمكين والتوعية السياسية من أكثر التيارات حركة وتأثيراً فى المجتمع المصرى، ونظرة سريعة على الحركات الاحتجاجية التى تبرز فى فئات صغيرة ومتباعدة توضح إلى أى حد تتغير خريطة فقراء القدرة فى مصر.
إذن نحن أمام مجتمع يمر بمرحلة مخاض.. هذا المجتمع يطرح مشاكله وأمراضه بوضوح ويفقعها مثل الدمل، وهذه الطرح يحدث الآن بعشوائية ودون تنظيم كجزء من مرحلة المخاض لكنه سيأتى معه بالعلاج الشافى، لذلك لست قلقاً من اعتداء نجع حمادى رغم رفض وإدانتى له بالطبع .. لكنى أعتبره إحدى الإرهاصات التى تضع مشكلات الأقباط ضمن تشكيلات المجتمع المصرى الجديد، بدلاً من أشكال التواطؤ التى صاحبت الدولة الشمولية فى تعاملها مع الأقباط.
أعتقد أن علينا تنظيف جروح الاحتقان والتوتر فى الصعيد من القاعدة .. من القرى والنجوع والغرب من خلال تواجد مكثف للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وقيادات العمل الشعبى للعمل وليس للتهدئة والتطمين لتوجيه الطاقات وزرع المفاهيم حول المشاركة وقبول الأخر والتوعية بالحقوق وكيفية المطالبة بها.. لنصرة الفئات المحرومة والمهمشة، للقضاء على الفقر بكافة أشكاله .. الأمر الذى يعجل حتماً بتبلور صورة المجتمع المصرى الجديد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة