دعنى أقول لك معلومة، ربما لا تكون جديدة ولكنها مهمة، مشكلة نظام الحكم الحالى فى مصر ليست فى تطلعه لحكم البلد بقبضة من حديد ونار لأنه طموح مشروع جدا فى دساتير دول العالم الثالث، مشكلته الحقيقية تبقى فى التواصل.. طبيعى جدا أن يعيش المسؤل فى بلد مثل بلدنا منعزلا عن الناس، والأكثر طبيعية من كل هذا ألا يتواصل مع معارضيه أو منتقديه إن وجدوا، والعادى أنه يبقى محافظا على جسور الود والمحبة مع من يرفعون صوره ويذهبون إلى صناديق الانتخابات ليختاروه وينشرون برقيات تأييده فى الهواء.
الرئيس مبارك يفعل ذلك مع رجال الأعمال وتنقل صحف حكومته صوره وتفاصيل رحلته من أجل افتتاح مشروع "فلان الفلانى بيه" الذى هو فى الغالب أحد أعضاء وزارته أو الأمانة العامة لحزبه، أما بقية الأنصار وأصحاب برقيات التأييد فلا تواصل معهم إلا من وراء حجب أو لا تواصل من أصله، فلم نسمع يوما أن الرئيس مبارك منذ بدأ حكمه قام بزيارة البابا شنودة أو زيارة الكنيسة- أى كنيسة- إلا مرة أو مرتين خلال أكثر من ربع قرن واحدةكانت فى جنازة المرحوم فكرى مكرم عبيد.. ومرة أخرى كان يحتفل بترميمات الكنيسة المعلقة.. يعنى تعامل معها بشكل أثرى لا دينى أو شعبى.
وبالتالى يمر عيد الميلاد المجيد وراء الأخر ولا نشاهد الرئيس فى احتفالات القداس، صحيح أنه يوفد نائبا عنه، وصحيح أن جمال مبارك وعدد من قيادات الدولة يحضر، وصحيح أن الرئيس جعل يوم 7 يناير إجازة رسمية، وصحيح أنه سمح بنقل القداس واحتفالات عيد الميلاد على الهواء مباشرة عبر شاشات التلفزيون المصرى، ولكن كل هذا لا ينفى عن سيادته حق شطر هذا الوطن فى أن يحضر احتفالاتهم ويشاركهم فرحهم لأنه فى النهاية رئيس لكل المصريين.
لا أحد يملك سببا واضحا لهذا التجاهل الرئاسى لأكثر من 10 مليون مواطن قبطى لا تدخر كنيستهم جهدا فى إصدار بيانات التأييد والمبايعة للرئيس، كلما قاربت فترة تمديد رئاسته حتى قبل أن يفكر هو فى تأييد نفسه مثلما يفعل البابا شنودة الآن مع جمال مبارك ويصر على ترشيحه رئيسا قبل أن يعلن جمال ذلك بنفسه. ففى 2005 وحينما كانت تمثيلية الانتخابات الرئاسية تدور أعلن البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية تأييده للرئيس مبارك بكل حماس ولم يتوقف عند ذلك، بل دفع أعضاء المجمع المقدس الذى يقدر عددهم ب 71 من المطارنة والأساقفة إلى أن يعلنوا تأييدهم للرئيس مبارك ومبايعته، وبرر البابا شنودة موقفه من دفع الأقباط إلى تأييد مبارك لعدة أسباب على رأسها أن مبارك صاحب خبرة ومعرفة وعلاقته طيبة برؤساء الدول الأخرى وله قدرته فى حل المشاكل التى تواجه البلاد وأنه – أى البابا - يرى مستقبل الأقباط فى ظل وجود مبارك أكثر اطمئنانا.
ألا تجد فى الأمر غرابة.. أن الرئيس مبارك الذى يهوى افتتاح الكبارى والمشروعات وحضور الأوبريتات التى تغنى باسمه يمتنع طوال فترة حكمه عن زيارة الكنيسة القبطية التى تؤيده طوال العام؟ ألا تجد غرابة فى أن الرئيس مبارك لم يخطف رجله إلى أى كنيسة مصرية وقت الأزمات والفتن لتهدئة موقف ما أو الاحتفال بعيد ما؟ ألا تندهش من أن الرئيس الذى تقام فى عهده آلاف الولائم على شرف الوحدة الوطنية لم يحضر هو واحدة منها؟
هل كان الأمر عاديا حينما مرت أزمة البابا شنودة والإهانة التى تعرض لها فى مطار هيثرو دون أن نسمع عن اتصال تليفونى أو حتى كلمة من الرئيس مبارك، هذا بخلاف التحرك الرسمى البطىء للتعامل مع الأزمة؟ هل الأمر عادى ونحن لا نسمع صوت الرئيس عقب حوادث الفتنة الطائفية وتحديدا حادث نجع حمادى البشع والمرعب؟ ربما يكون الأمر أكثر من عادى بالنسبة لك إذا تم تفسيره بالشكل الذى يحلو لكثير من أقباط المهجر بأن الرئيس مبارك ونظامه يضطهد الأقباط، ولكن الغير تقليدى هو أن يبدأ أقباط الداخل فى التعبير عن ضيقهم من هذه المعاملة الرئاسية، كثير من الأقباط يشعرون بذلك ويلقون بهمومهم فى أذان بعضهم ويصلون فى النهاية إلى نتيجة واحدة تقول بأن نظام مبارك لا يضطهد الأقباط فقط ولكنه يضطهد المصريين كلهم.
غير أن القمص جبرائيل عبد المسيح كاهن كنيستى الملاك ميخائيل والشهداء بالكشح، كان له رأى أخر جعل الأمر يأخذ منحنى أكثر خطورة وإثارة من ذى قبل حينما نشر فى عدد من مجلة الكرازة المرقصية رسالة طويلة للرئيس مبارك تحت عنوان حان وقت المعاتبات، ربما يحمل العنوان بين طيات حروفه الكثير من الغضب والمزيد من الندية، ولكن سطور الرسالة كلها تفيض بالكثير من العقلانية والأدب والمزيد من المنطق، فبدأ رسالته قائلا: (يعز علينا سيادة الرئيس موقفكم تجاه الكنيسة القبطية، ولذلك نعاتب سيادتكم بكل أمانة وحب وكلنا أمل أن نرى تغييرا من أجل راحة أبنائك المسيحيين وسلامتهم لأنهم يحبون سيادتكم بإخلاص سائرين بحسب كلام الإنجيل "رئيس شعبك لا تقل فيه سوء" بل وتعلمنا الكنيسة أن نصلى من أجل رئيس جمهوريتنا وتطلب بأن يعطيه الله حكمة وعدل وأن تخضع له جميع شعوب الأرض، ومع كل هذه الصلوات التى تنفرد بها كنيستنا وكل هذا الحب نراكم تعطون اهتماما ملحوظة بالأزهر ورجاله أكثر من اهتمامكم بالكنيسة ورجالها فى العديد من المناسبات الدينية بل وافتتاحكم للكثير من المعاهد والكليات الدينية والمشروعات الأزهرية دون الكنيسة).
وبسؤال استنكارى قال القمص جبرائيل: (هل هناك يا سيادة الرئيس معوقات تمنع زيارتكم، أعاتبكم لأنه لو كان ضمن مستشاريك مسيحى واحد يؤخذ برأيه لأشار عليكم بهذه الزيارة التى تضمد جروح المسيحيين، ولكننا نعرف أنه لا يوجد مستشار مسيحى واحد يعمل مع سيادتكم).
وفى دهشة تساءل القمص جبرائيل عن سر غياب الرئيس عن مائدة الوحدة الوطنية التى يقيمها البابا شنودة على الرغم أن هذه المناسبات كما قال هو تقرب بين المسلمين والمسيحين وتقضى على الفتن، واستنكر القمص على الرئيس مبارك عدم زيارته للبابا شنودة فى مرضه وعقب عودته من رحلاته العلاجية كما فعل كل الناس على الرغم من أن البابا شنودة لم يقصر فى زيارة الرئيس مبارك بعد نجاته من حادثة الاغتيال فى أديس أبابا.
رسالة القمص جبرائيل لم تنتهِ عند هذه الإشارة التى تؤكد على ان الرئيس مبارك لم يرد الجميل للبابا، بل امتدت ليقارن بين موقف جمال عبد الناصر والسادات من الأقباط وكيف كان لزيارتهم للكنيسة أكبر الأثر فى القضاء على الفتن لأنها ضربت مثلا على تساوى الفئتين عند الحاكم، عموما القمص جبرائيل ختم رسالته بمطلب قال فيه: ( أريد أن نشعر بأن هناك تساوى بين المسلمين والمسيحين فى مصر، وأن يكون لهم نصيب فى المناصب القيادية أسوة بأخوتهم المسلمين كما كان فى القرون الماضية).
الآن ستضحك وتقول هم عايزين إيه تانى؟.. والله برافو على الرئيس، هذا لو كنت واحد من أولئك الذين تنام فى صدورهم بذور التعصب، أما لو كنت منصفا فسوف تسأل نفسك هذا السؤال.. لماذا يتجاهل الرئيس مبارك أقباط مصر كل هذا التجاهل؟ حتى الدبلوماسية الرئاسية التى تقتضى من رئيس الدولة أن يسعى لإرضاء مختلف الفئات أو الطوائف حتى ولو بزيارة على الهواء لم تفلح فى دفع الرئيس مبارك لزيارة الكنيسة القبطية أو حضور احتفالات الأعياد على الرغم من أن رئيس مثل جورج بوش الذى يكرهه كل العرب والمسلمون كان حريصا على أن يحضر حفلات الإفطار فى رمضان مع مسلمى أمريكا وغيره من رؤساء أوربا حريصون على فعل ذلك، فهل يعنى ذلك أن الرئيس مبارك لديه موقف شخصى من الأقباط؟
غدا سنعرف التفاصيل ونكشف عن مفاجأة ربما لا يعرفها كثيرون..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة