لم نقرأ أبداً المستقبل.. ولم نفكر يوما فى الغد.
لم نكن نعلم أن حقوق الأحداث الرياضية ستتصاعد دون سقف حتى تقترب من السحاب.
عندما تقرر فى عام 1960 بيع حقوق البث التليفزيونى لدورة روما الأوليمبية نظير مليون دولار لم يكن النقل التليفزيونى قد عرف طريقه إلى ثلثى دول العالم.. وكان التليفزيون المصرى قد بدأ انطلاقته قبل أسابيع قليلة.
فى تلك الفترة لم يفكر أى مسئول لا فى مصر ولا فى العالم بنفس الطريقة الموجودة فى عالمنا الآن.
لم يعتقد أحد أو يظن أحد أن المباريات والبطولات العالمية يمكن أن تتجاوز فى أسعارها اغلى السلع والمواد الغذائية والأسلحة والطائرات.
ولكن السنوات التالية حملت لنا الجديد من المؤشرات الواضحة والصريحة وتصاعدت الأسعار للبطولات لاسيما كأس العالم والدورة الأوليمبية إلى عشرات الملايين بسرعة أكبر مما توقعنا.
وفى التسعينيات كانت الرسالة واضحة حتى لمن لا يعرف القراءة ولا يستنتج التطورات.. ووصل سعر البيع إلى مئات الملايين، وتعددت الأحداث الرياضية المهمة بين كأس العالم، وأمم أوروبا، والدورى الإنجليزى، والإيطالى، والإسبانى، ودورى أبطال أوروبا لكرة القدم، والدورات الأوليمبية، وبطولات التنس الكبرى وسباقات سيارات الفورميولا وان، وبطولات العالم لألعاب القوى وغيرها.
كل هذا والمسئولون فى مصر غارقون فى النوم طوال حقبة التسعينيات دون أن يشعر أحدهم بالخطر القادم نحو المشاهد البسيط الذى لا يجد فى العالم ما يسره أو ما يلهيه سوى مشاهدة مباريات كرة القدم المحلية.
الملياردير السعودى الشيخ صالح كامل كان سابقاً لعصره فى الأفكار والتوقعات.. وبادر بإنشاء أكبر شبكة تليفزيونية خاصة فى صيف 1993 وأطلق عليها بذكاء راديو وتليفزيون العرب ليضمن الارتباط بكل العرب.. وانطلق كالطائرة النفاثة يشترى حقوق البطولات الرياضية الكبرى لأطول عدد من السنوات، مستفيدا بجهل وغفلة المسئولين فى كل التليفزيونات العربية الحكومية.. وقبل أن تحل الألفية الجديدة، وقبل أن تظهر أى قناة عربية رياضية أخرى متخصصة وقوية كان صالح كامل مالكا لنصف بطولات كرة القدم الكبرى العالمية والأفريقية والآسيوية والعربية.. وبدأ حملة التشفير والتوزيع وفرض الأسعار ولكنه فى كل الوقت كان رحيماً بالمواطن العربى.
والسؤال هنا.
أين كان المسئولون فى أكبر وأقدم تليفزيون فى المنطقة وهو التليفزيون المصرى صاحب الريادة أولاً والميزانية الضخمة ثانيا؟
لماذا تقاعسوا ولم يدركوا الأمر باكراً؟
المهم أننا أصبحنا عاجزين عن بث أى مباريات أو بطولات دولية إلا إذا منحنا الشيخ صالح مكرمة من عنده بسبب مصالحه الشخصية لدى الحكومة المصرية أو لأسباب إنسانية.
ورغم وضوح الصعوبات وظهور العديد من القنوات الرياضية الكبرى وعلى رأسها الجزيرة الرياضية من قطر، فإن مسئولينا ظلوا نائمين فى العسل دون أن يفكر أحدهم فى دخول السباق لشراء حقوق البطولات الرياضية ولو اقتصر الأمر على البطولات التى تتواجد فيها الفرق المصرية فقط.
وأخيراً ضرب صالح كامل ضربته وباع كل قنوات الرياضة الخاصة به ومعها كل الحقوق التى يمتلكها لقناة الجزيرة القطرية وهى بالمناسبة أغنى قناة تليفزيونية فى العالم.. وتقول الشائعات إن ثمن البيع تجاوز حاجز خمسة مليارات دولار لتصبح أغلى صفقة فى تاريخ الإعلام وربما فى تاريخ أى صفقة تجارية على مر العصور.
انتقلت الحقوق إلى الجزيرة التى نتهمها يومياً وعلنياً فى مصر أنها قناة معادية لنا وأنها تتربص بالمصريين.. وجاء الرد من الجزيرة طبيعيا ومنطقيا بوضع شروط باهظة التكاليف وشديدة التمسك والقيود لنقل عشر مباريات فقط من كأس الأمم الافريقية المقامة حالياً فى أنجولا.
طلبوا عشرة ملايين دولار (أكثر من خمسة وخمسين مليون جنيه مصرى) مقابل إذاعة عشر مباريات فقط على أن تدفع مرة واحدة عند توقيع العقد وقبل بث إى إشارة لأى مباراة للتليفزيون المصرى.. وهو أمر خارج كل الأعراف فى عالم التجارة والبيع والشراء لاسيما فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة بعد الكساد الذى ضرب العالم فى نهاية 2008.. وتشددوا فى عدم إذاعة المباريات إلا على القناة الارضية فقط ولمرة واحدة فقط دون أن يكون للتليفزيون حق بث أى لقطات من تلك المباريات العشرة فى أى برامج أخرى أو أى نشرات إخبارية.. وهكذا يصبح السعر الحقيقى للمباريات العشرة مضاعفاً طالما لن نتمكن من الاستفادة بالمادة الفيلمية لتلك المباريات لاحقاً وهو الأمر الذى يستوجب أن نطلب شراء حقوق تلك المباريات مرة أخرى لنعيدها أو نستخدم لقطاتها.
منتهى التعسف من قناة الجزيرة فى قيود البيع.
ولم يملك المسئولون الآن سوى الرفض لأن الأمر باهظ التكاليف وشديد القيود.
ولكننا لا نلوم إلا أنفسنا لأننا تركنا الأمور تسير أمامنا دون أن ندرك الواقع المؤلم حتى وقعنا أسرى لعمليات بيع متشددة.
الرياضة أصبحت الساحة الوحيدة فى العالم التى يلتقى فيها الشعوب بانتظام ودون مخاوف أو قيود أو حدود.. ولهذا ارتفع قدرها وسعرها وعلينا من الآن التفكير فى الدخول فى تحالفات مع القنوات العربية الحكومية لضمان المنافسة على شراء الحقوق الرياضية للبطولات التى تبدأ من عام 2020 وصاعداً.
الأمور واضحة.
ولكن من يقرأ؟ ومن يفهم؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة