قدمت إسرائيل اعتذارا إلى تركيا عن الطريقة التى تعامل بها دانى أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلى مع السفير التركى لدى تل أبيب أحمد أغوز تشليكول، لكن تركيا رفضت هذا الاعتذار واستدعت سفيرها.
جرت الإهانة على النحو التالى.. "قام نائب وزير الخارجية الإسرائيلى بالجلوس على مقعد أكثر ارتفاعا من المقعد الذى جلس عليه السفير التركى، حتى يبدو السفير أقل منه، وعلى طاولة المفاوضات الموجودة بينهما كان هناك العلم الإسرائيلى فقط، فى إشارة تعنى أن تركيا كما لو كانت غير موجودة، ولم يكتف المسئول الإسرائيلى بهذه الصفاقة، وإنما همس باللغة العبرية إلى مصورى الصحف والتليفزيون: "انتبهوا.. لقد استدعيته ولا.. لا أبتسم له".
انتقل ما فعله المسئول الإسرائيلى إلى وسائل الإعلام ليبدو الأمر توبيخا وإهانة لتركيا، لكن تركيا لم تصمت، ونتج عن الغضب التركى صدور بيان اعتذار من إسرائيل، وعلق على الاعتذار شخصيا رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو، لكن تركيا لم تر فى الاعتذار الإسرائيلى ما يكفيها ويبرد نارها، فقررت استدعاء سفيرها الذى تلقى الإهانة.
فى كل هذا الفصل البارد فى العلاقة بين تركيا وإسرائيل تسير العلاقات، لكن ما حدث يعد كاشفا لأشياء كثيرة، أبرزها أن القيادة التركية تصرفت على النحو الذى يحفظ كرامتها، وعلى النحو الذى تؤكد فيه لإسرائيل أنها ليست "ملطشة" للآخرين، والمثير، أن كل ذلك يحدث على خلفية انتقادات عنيفة توجهها تركيا إلى إسرئيل منذ حربها الهمجية على غزة، وزادت الانتقادات بإعلان رئيس الوزراء التركى طيب أردوغان ضرورة امتثال إسرائيل لقرارات مجلس الأمن، ومطالبته للمجلس بالضغط على المنشآت النووية الإسرائيلية بنفس القدر الذى تضغط به على إيران، بالإضافة إلى مطالبته إسرائيل التوقف عن انتهاك المجال الجوى والمياه اللبنانية.
كل ما سبق يعنى انحيازا واضحا من تركيا للحقوق العربية، ومع احتفاظ تركيا فى نفس الوقت بالعلاقات مع إسرائيل، يتعاظم الدور التركى فى المنطقة، الذى يتقن لعبة الدور بفتح صفحته مع الجميع، وعدم إلغاء طرف لصالح آخر، ففى الوقت الذى تتمتع القيادة التركية بعلاقة جيدة مع حماس تفتح ذراعيها للرئيس الفلسطينى محمود عباس، وفى الوقت الذى تتمتع بعلاقات جيدة مع حزب الله تستقبل سعد الحرير رئيس الوزراء اللبنانى، وفى الوقت الذى تتمتع بعلاقات جيدة مع مصر، تفتح ذراعيها لسوريا فى التعاون الاقتصادى والسياسى.
اكتسبت تركيا من هذا التنوع الدبلوماسى تألقا يوما بعد يوم، وهو التألق الذى لا يقف عند حدود البحث عن دور خارجى تعويضا عن فشل داخلى، فالاقتصاد التركى يعيش انتعاشا كبيرا، مما يعنى أن نجاح الدبلوماسية التركية يعود بالفوائد الكبيرة على المواطن التركى أولا، وطالما تتحقق معادلة نجاح الداخل والخارج عند أى نظام سياسى، يستطيع هذا النظام أن يثور لكرامته فى أى وقت، وهذا بالضبط ما حدث فى اعتذار إسرائيل أولا عما بدر من نائب وزير خارجيتها نحو السفير التركي، ثم إعلان القيادة التركية لرفضها لهذا الاعتذار واستدعاء سفيرها، فهل فى دولنا العربية من يملك القدرة لفعل ذلك؟.. أشك.