بمناسبة الضجة المثارة حاليا حول مطالبة بعض المشايخ بوقف تدريس قصة "الأيام" لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين المقررة على طلاب الثانوية بزعم إساءتها للأزهر.. فقد سمعت تعليقا مفزعا من أحد التلاميذ حول هذا الموضوع.. ففى أثناء شرح مدرس اللغة العربية للقصة قال لهم "إن الدكتور طه حسين تزوج ابنة قسيس فرنسى واعتنق الديانة المسيحية،ورحل عن عالمنا وهو مسيحى!!
هذه عينة من المعلومات المغلوطه التى يتم ترويجها بين أبنائنا من جانب معلمين محدودى الاطلاع ومتواضعى الثقافة والفكر.. التلاميذ الصغار يتعاطون ما يقوله المعلم بتسليم كامل ولا يستطيعون مراجعته، أو مناقشته.. باعتباره المعين الأول الذى ينهلون منه العلم والمعرفة وأمام صمتنا الرهيب على ذلك نربى أجيالا سطحية جاهلة، ومتخلفة.. والسبب أن لدينا معلما أكثر جهلا وربما يكون سلفيا متطرفا، يسيطر على عقول أبنائنا الغضة، يشكلها على هواه الأعمى فيلغمها بأفكار ضحلة ومعلومات مشوهة لا أساس لها من الصحة،عن رموز الفكر والثقافة.. هذه الأفكار تظل ملازمة لهم طوال حياتهم فى ظل غياب الخلفية الثقافية والإطلاع الكافى لضحد مثل هذه الأفكار المضللة.
كما أن وسائل الإعلام والأعمال الفنية هذه الأيام تفتقر إلى أى عمق ثقافى أو أى أهداف تربوية وربما اقتصر دورها على تقديم التسلية فارغة المضمون والمساهمة فى المزيد من التسطيح الفكرى للأجيال الجديدة.
المعلم الذى غيب عقله ونسى دوره الحقيقى وأصدر هذا الحكم الخطير على عميد الأدب العرب، ليس حالة استثنائية فى وزارة التربية والتعليم، التى تزدحم بنحو مليون زميل له أغلبهم على شاكلته بالإضافة إلى عدد مماثل من الطواقم الإدارية التى لا يختلف الكثير منها،عن ذلك المعلم ضيق الأفق الذى يساهم بتخلفه فى هدم الشخصية المصرية وتشويه كنوز الوطن.
فبدلا من أن يؤكد المعلم على أهمية هذا العمل الأدبى الراقى وأثره فى الفن الروائى، باعتباره يجسد واقع حياة طفل مصرى فقير ولد فى أسرة رقيقة الحال كثيرة العدد بإحدى قرى محافظة المنيا فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وبسبب الجهل والفقر،فقد بصره وهو لايزال يحبو نحو المستقبل ولم يكن يعلم ما خبأته له المقادير والأيام، فعوضته السماء بإرادة صلبة بصيرة فذة ثاقبة، فتمرد على واقعه، وتحدى ظروفه، وشق الظلام بشمس العلم، حتى صار نبراسا ونموذجا يحتذى فى دنيا لا تعترف بالعاجزين !!.. لكن المعلم إياه تجاهل كل هذه الفضائل فى صاحب الأيام وما تعكسه رحلة كفاحه المريرة التى تستحق التخليد والتمجيد،وراح يركز على شائعات أطلقها بعض المرضى النفسيين والمغرضين من دعاة الظلام والرجعية فى ذلك الوقت للنيل من سيرة ومسيرة عميد الأدب العربى الخالدة.
وسط كل هذه الغيوم التى تخيم على سماء التعليم الآن والفوضى الثقافية الهدامة السائدة جاء استبدال وزير التربية والتعليم يسرى الجمل، فى وقت حرج للغاية بالدكتور أحمد زكى بدر..هذا التغيير جعل الكل فى حالة جدل وترقب.
حسب معلوماتى فإن خبرات الوزير الجديد تتركز حول علوم الهندسة والحاسبات ونظم المعلومات ولم ألمح بين خبراته ما يشير إلى علاقته بالنظم التربوية أو المناهج،ولا علاقة له من قريب أو من بعيد بهموم وأمراض النظام التعليمى المزمنة فى مصر والتى نحن فى أمس الحاجة للتخلص منها فى الوقت الراهن.. لكننا،ومنذ قيام ثورة 23 يوليو 1952،اعتدنا على توزيع المناصب الوزارية،بطريقة عشوائية،تفتقد لأى فلسفة أو أسس منطقية تحكم اختيار الأشخاص لهذه المناصب الحيوية،باستثناء رؤية فرد واحد تحكمه الأهواء وقد يخطيء ويصيب وللأسف هو المحتكرالوحيد لقرارات التغيير والاختيار.
تفاءلت عندما سمعت وجهة نظر الوزير بدر بعدم وجود أى تبرير يقضى باستبدال "أيام " طه حسين بقصة أخرى لتلاميذ الثانوية العامة لكن السؤال الهام هل الوزير الجديد بخبراته التكنولوجية قادر على إحداث الثورة الضرورية المطلوبة لتطوير وزارة التربية والتعليم بدءاً بإصلاح أحوال المعلمين مروراً بوضع حلول جذرية لكل القضايا التعليمية الشائكة وانتهاءً بتوفير برامج وخطط تربوية قابلة للتنفيذ ومواكبة للعصر الحديث، تضمن لمصر حدوث نهضة تعليمية حقيقية ظهور أجيال جديدة مبدعة قادرة على التغيير تكمل مشوار العلم والتقدم الذى بدأه طه حسين صاحب مقولة "التعليم كالماء والهواء" فى عصر لم يكن كلاهما ملوث كما هو الآن؟
• رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة