بسمه موسى

حرية العقيدة للأقليات (2)

الأحد، 17 يناير 2010 07:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن التقاليد المتوارثة من أزمان سحيقة، والتعصبات وكلها عادات متأصلة فى كثير من المجتمعات وتسبب الفرقة بين أبناء الوطن الواحد. ومع ذلك يمكن تغييرها تدريجياً إذا توفرت الإرادة والعزيمة بين قادة الفكر والعاملين فى وسائل الإعلام. ولكن ما يدعو إلى القلق بوجه خاص هو الاتجاه المتزايد فى العالم إلى إقحام الدين والمعتقدات الدينية فى العلاقة ما بين عناصر الأمة، بحيث يصبح الدين والاعتقاد محوراً للتمييز، وسبباً فى ازدياد الأزمات بين طوائف الناس، وقد كثرت أخيراً هذه الظاهرة فى بلدان الشرق الأوسط ولكنها توجد أيضاً بدرجات متفاوتة فى بلدان العالم الأخرى.

فالنص على حرية الاعتقاد الوارد فى المادة ١٨ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لا تهدف إلى مجرد إطلاق الشعارات وإنما تهيئ المجال اللازم للتنمية، وجرى نصها معلناً أن لكل شخص الحق فى حرية التفكير والضمير والدين، وله الحق فى إظهار دينه أو اعتقاده سواء أكان ذلك فردياً أم جماعياً، وسواء أكان إظهار دينه أو اعتقاده خصوصياً أم عمومياً، وهذا الحق يشمل حرية الشخص فى تغيير دينه أو اعتقاده.

وعلى ضوء ما سبق قوله يكون هدف هذا النص هو تعبئة قدرات كل إنسان لتنمية مواهبه ومداركه وتهيئة نفسه لأداء دور فعال فى الحياة. فلا يجوز تأويله على نحو يغير من مبتغاه أو يسهّل الاتهام بأنه محاولة لهدم الأديان السماوية أو إضعاف دين الأكثرية أو التضامن مع أعداء الوطن فى الداخل والخارج. إن حق الإنسان فى أن يعرب للآخرين عن معتقداته لا ينفصل عن حريته فى اعتناق ما شاء من المعتقدات والآراء، وحرمانه من هذه الحرية يقوّض حريته فى التفكير والضمير والدين ويفرغها من كل معانيها. هذا بالإضافة إلى أن شعور الإنسان فى بعض المواضع بواجبه فى اشراك الآخرين فيما يعتمل بنفسه هو شعور يمليه على الإنسان ضميره ووجدانه.

إن الحماية الحقة لحرية الاعتقاد تستلزم حماية المواطنين أيضاً من قوى التزمت، والتطرف، والتعصب، واللجوء إلى العنف، والاعتداء على الآخرين باسم الدين. ومقاومة هذه الأعمال التى يكون بالإكثار من فرص التبادل الفكرى ونشر الحقائق عن معتقدات الغير. لقد حان الوقت لكى تشمل البرامج الدراسية على دروس فى التسامح والعدالة وقبول اللآخر، وعرض معلومات كافية عن النظم الدينية المختلفة من منظور الاخلاقيات والفضائل التى اشتملت عليها الاديان ، بدون الاكتفاء بتعليم الأطفال نظام دينى واحد. فمن حيث وجهة النظر التعليمية لا جدال فى أن أولئك الأشخاص الذين يدرسون ديانتهم ولا يأنفون من دراسة الأديان الأخرى، وأولئك الذين يشعرون بالحرية فى التساؤل والمناقشة والحوار، وأولئك الذين يجدون فى أنفسهم المقدرة على التوفيق بين مبادئهم ومبادئ الآخرين سيكونون أكثر قدرة وأحسن إعداداً لمواجهة قوى التعصب والتطرف.

ويسرنى أن أقتبس هنا جزءاً مما كتبه مصطفى الفقى فى هذا الموضوع بجريدة الحياة، عدد ٩ مايو ٢٠٠٦ إذ قال: "إننا ممن يظنون أن مفهوم الأمة يحتوى ضمناً ديانات وثقافات بل وقوميات تتعايش فى إطار الأمة الواحدة، وتتشابك مصالحها، وتتداخل أهدافها بحيث تصبح فى النهاية سبيكة واحدة تتشكل منها هوية الأمة وشخصيتها الحضارية، فليس صحيحاً أن هناك شيئا اسمه النقاء العرقى أو التوحد الديني، فهذه أفكار فاشية ومتعصبة لا تعبر عن واقع الحال ولا تدل على طبيعة العصر، بل إن الدراسات الحديثة فى علم الاجتماع تشير إلى أن التعددية قد تكون أحد أسباب تطور المجتمع إلى الأفضل وليس العكس وأن أحادية تكوين الدولة ليست بالضرورة ميزة لها فالأقليات تلعب دوراً إيجابياً فى دفع التجمعات البشرية إلى الأمام."

وانهى مقالى بإن حرية الاقليات والاعتراف بهم هو من صحيح الشريعة الاسلامية السمحاء, يقول الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكــــريم: " لاإكراه فى الدين" سورة البقرة-آية 256. صدق اله العظيم.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة