د. بليغ حمدى

احذر .. الوقوف متكرر !

الإثنين، 18 يناير 2010 07:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحمد الله أننى أواظب على فرائض الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج تحقق لى مرتين بفضل ومنة من الله سبحانه وتعالى، ويتكرر حمدى هذا على نعمة الإسلام كلما طالعت فتوى جديدة، ولقد كتبت عدة مقالات فى هذا الموضع عن شهوة وأوكازيونات الفتاوى، وحمى إصدارها فى كل مناحى الحياة، ولم يجد أصحابها عقاراً حتى الآن يشفيهم من تلك الحمى.

وكم أنا سعيد لأننى تجنبت الحديث عن بعض الفتاوى المثيرة للجدل مثل إرضاع الكبير، وإباحة التدخين فى نهار رمضان، والقبلات المشروعة الخالية من الإثارة والشهوة والتى لا تفطر، وجواز تبرع المسلم بماله فى بناء وتشييد الكنائس، وفتوى مماثلة بناء الكنائس بتربية الخنازير وإقامة صالات للقمار، الذى هو الميسر. فمثل هذه القضايا الخلافية تثير الجدل والهوس والصراخ، وأنا أفضل الاستقرار على سطح الأرض، دون أن أقفز أو أطير أو أصرخ أو حتى أن أسبح فوق الماء هرباً مما أقرؤه من فتاوٍ.

ولقد طالعت مؤخراً الجدل الواسع بين قطاعات المشجعين المصريين حول منعهم من حق متابعة ومشاهدة مباريات كأس الأمم الأفريقية المقامة فى أنجولا، وأن هذا المنع والاحتكار يخالف إعلان حقوق الإنسان العالمي، وأن هؤلاء المشاهدين مساكين لحرمانهم من متعة مشاهدة كرة القدم وهى تخترق الشباك.

ولو أردت أن تكتشف مساحة الهوس هذه أدر مفتاح التشغيل لجهاز استقبال الأقمار الصناعية ولاحظ عدد البرامج الفضائية الفراغية التى ناقشت قبل إذاعة مباراة مصر ونيجيريا حجم المداخلات والمناقشات والاتصالات الهاتفية حول هذا الموضوع لتدرك ما وصلنا إليه من تحول وتغير فى القيم والأخلاق.

والمثير للدهشة هو دخول بعض رجال الدين بل والعلماء الصفوة منهم حلبة الصراع والجدل القائم بين حق المنع والإذاعة لتلك المباريات، فقام بعضهم بإصدار فتوى تبيح وتجيز الوصلة الفضائية، وهى عبارة عن سلكة تسمح للناس بمشاهدة مجموعة من القنوات الفضائية المشفرة والتى تتطلب اشتراكات رسمية وشرعية علنية باهظة الثمن.

وهذه الفتاوى بالطبع تصدر من علماء ينتمون إلى المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر أى الأزهر الشريف، بحجة أن الأزهر كمؤسسة دينية وتعليمية تملك وحدها حق الفتوى والعقد والحل والرأى والثواب والعقاب. ولطيف أن يهتم رجال الدين فى مصر بأمور الرياضة التى هى فى الأصل أخلاق من شأنها أن تكسب صاحبها سمات الفروسية والشجاعة والإقدام والمنافسة الشريفة واحترام الآخر. لكن الألطف أن يترك رجل الدين مهامه الدعوية فى ظل عالم يموج بأفكار تكفيرية، واضطراب فقهى، وممارسة مغلوطة للفرائض الدينية، ويتجه إلى تحليل وتفسير وتأويل رد فعل جمهور الكرة فى مصر إزاء منع الجزيرة الأولى لبث المباريات قبل السماح والمنح.

ولأن مصر بلد الانفرادات الحصرية قام بعض رجال الدين فيها بإصدار فتوى تبيح جواز وصلة الدش، رغم أن دولة تونس العربية الإسلامية حصلت مثلنا على منحة بث مباريات فريقها دون أن يصدر علماؤها فتاوى دينية تبيح ذلك التصرف.

وجدير أن أذكر بأن الأقباط لابد وأن يطالبوا من رهبانهم وقسيسيهم الاهتمام بهذه القضية من باب المواطنة، وأن يبادروا بإصدار صك يبيح الوصلة العجيبة خشية حدوث فتنة طائفية جديدة.

وعجباً لأمر هذه الأمة حقاً،تقوم الدنيا فيها ولا تقعد على ألفاظ نابية مبتذلة ببرلمانها الشعبي، وتظل قائمة على فيلم فنى كالألوان الطبيعية، وتستمر فى تصاعد حدة قيامها بسبب مباريات كرة القدم، ولو فكرنا قليلاً لوجدنا أنفسنا أمام لجان الانتخابات نعطى أصواتنا لهؤلاء الذى لطخوا البرلمان بألفاظهم الخارجة، وأننا لازلنا ندفع أموالاً لشباك تذاكر السينما من أجل مشاهدة قبلة ساخنة، أو التقاط مشهد فاضح، وأننا مصرون على تشجيع فريق خرج من السباق العالمى.

تركنا كل هذا وتفرغنا لإصدار فتاوى تصدر من علماء نحترمهم ونقدر علمهم، لقد أهنا الفتوى وأهنا المؤسسة الدينية، وكم كنت مختلفاً مع أصدقائى فى ترديدهم لمقولة الشيخ كشك رحمه الله، حينما قال الأزهر الذى كان شريفاً، لأن الأزهر الشريف كمؤسسة دينية ورسمية تربوية تضم عدداً هائلاً من العلماء والنخبة والصفوة والقامات الدينية الشامخة، لكن من وقت لآخر يطل علينا بعض الشيوخ بفتاوى تجعلنا نطالب بتسريع الخطاب الدينى.

وحقيقة ما يحدث فى مصر الآن من فتاوٍ متنوعة ومثيرة للدهشة والاستغراب هى أننا مثل الراكبين بسيارة أو أتوبيس للنقل الجماعى، إلا أن من خصائصه الوقوف المتكرر، لذا أوجه عناية السادة الراكبين والقراء والمارة وهم يتابعون الأحداث الاجتماعية فى مصر بأن السيارة مكتوب عليها من الخلف: احذر الوقوف متكرر، وقد تتعطل السيارة كثيراً.

• دكتوراه فى فلسفة التربية








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة