لا شىء يمكنك أن تفعله سوى الضحك وأنت تشاهد تحركات الإخوة فى أحزاب الغد والوفد والدستورى الحر والجبهة وغيرهم، لا شىء يمكنك أن تفعله سوى أن تضرب كفا على كف أو تخبط دماغك فى الحيط بسبب إصرار هؤلاء على تقديم أنفسهم كرقم حقيقى وفاعل فى معادلة الحياة السياسية المصرية، فهل يمكن لعاقل أن يصدق أن أحزابا لا يعرفها أحد فى الشارع ولا تستطيع أن تنظم مظاهرة أو ندوة إلا بإذن من ضابط أمن دولة، ربما يكون حديث التخرج، وحتى إن نظمتها فعدد الحضور قد لا يتجاوز أصابع اليد مع القدمين.. هل يمكنك أن تصدق أن هؤلاء قادرون على دعم البرادعى أو أى مرشح آخر؟ هل يمكن لأى كيان أن يدعم أشخاصا آخرين وهو أصلا غير قادر على دعم نفسه؟ وهل يمكن لأى كيان حزبى أن يدعم شخصا لمواجهة دولة يتسول هو منها الدعم كل عام؟.
صدقنى أنا لا أسعى لزرع دبوس الشك واليأس فى بدلة أملك البيضاء، ولكننى فقط أسعى لكى أكون منطقيا وواقيعا حينما أتحدث عن حال الأحزاب المصرية وما يمكن أن تفعله فى الوضع السياسى الذى نعيشه الآن، فنحن نملك تجربة حزبية ثانية عمرها الآن قد يتجاوز 34 أو أكثر، وإذا سألت نفسك ماذا قدمت هذه التجربة الحزبية الثانية التى أعاد السادات بعثها لمصر بعد كل هذا العمر ستجد الحاصل فى النهاية صفر سياسى كبير، وإذا كان سن الثلاثين هو بداية النضج لإنسان تراكمت خبراته وقوى ساعده وأصبح على الأقل يملك زمام طريقه وقادر على السير فيه بمفرده، فهو أيضا بداية النضج لشجرة عانت كثيرا فى بداية نموها ثم اشتد عودها وقويت جذورها مع تتابع عقود ثلاثة عليها، 34 سنة كافية لأن تقيم دولة وتقعدها ومع ذلك لم تكن كافية أبدا لنمو حياة سياسة متعددة حزبيا فى مصر ولدت فى 1976 ومر على ميلادها 34 سنة ومع ذلك لم تقف على قدميها بل لم تحبُ من أصله.
فى وطن مثل مصر فيه كل العجايب عشنا تجربة من التعددية الحزبية على مدار 34 سنة، كان نتاجها وجود 24 حزبا سياسيا، ومع ذلك ما زلت كل الأوساط السياسية والثقافية والشعبية تطالب بالتعددية الحزبية فى مصر وكل السنوات الماضية كانت وهما على وهم، وهى بالفعل كذلك كما أكد معظم المحللين والخبراء السياسيين هى بالفعل كذلك لأنه لا أحد فى مصر قادر بعد مرور هذه السنوات أن يعد على أصابعه عشرة أحزاب فقط من الأحزاب الموجودة ففى العالم كله من حقك أن تطرح على أى مواطن سؤالين وستجد لهما جوابا، السؤال الأول أنت بتشجع مين؟ والسؤال الثانى بتنتمى لحزب إيه؟ فى بريطانيا مثلا يمكنك أن تسأل أى شخص عن ناديه هل هو أرسنال أم تشيلسى وسيأتيك الجواب ويمكنك أيضا أن تسأله هل هو عمال أم محافظين وبرضه سيأتيك الجواب، أما فى مصر فيمكنك أن تسأل السؤالين، ولكنك لن تحصل سوى على إجابة الأول أهلاوى أم زمالكاوى؟ أما السؤال الخاص بالانتماء الحزبى فانسى، فلن تجد له إجابة لأنه لا أحد أصلا يحفظ أسماء الأحزاب الموجودة أو يعرف بوجودها حتى فى المستقبل، الأمل الوحيد أن تجد إجابة على هذا السؤال تكمن فى زوال الحزب الوطنى، فإذا انتهى الحزب الوطنى وذهب بلا رجعة يمكنك وقتها أن تجد حياة حزبية بجد، وأن تتعدد الأحزاب الموجودة بشكل حقيقى بدل أن تتعدد أحزاب على طريقة العدد فى الليمون وعدد الليمون فى مصر الآن وبعد مرور أكثر من 30 سنة على نشأة الأحزاب حوالى 24 ليمونة أقصد "حزب" يعرف الناس منها على الأقل ثلاثة أو أربعة، أما الباقى فمستحيل، ولك أن تتابع أسماء الأحزاب المصرية الموجودة والتى ستسمعها للمرة الأولى لتدرك أن الثلاثين سنة الماضية لم نعرف فيها معنى التعددية الحزبية بل عرفنا معنى أحزاب الوهم.
فعندك مثلا يا سيدى (الحزب الوطنى الديمقراطى وحزب الوفد والتجمع والعربى الناصرى والأحرار وحزب الجيل وحزب الغد وحزب الوفاق وحزب الأمة وحزب الخضر المصرى والحمهورى الحر "لسه جديد طازة" والاتحادى الديمقراطى والمحافظين ولجذب الدستور والسلام الديمقراطى والعدالة الاجتماعية وحزب شباب مصر ومصر العربى الاشتراكى وحزب العمل "المجمد" وحزب التكافل وحزب الشعب الديمقراطى وحزب مصر 2000 وحزب مصر الفتاة وحزب العمل) يا ترى كام مواطن فى مصر يعرف عشرة أحزاب، منهم بالتأكيد قليل جدا، لذلك فإن تجربة حزبية دامت لأكثر من ثلاثين سنة وفشلت فى أن تؤتى بثمارها أو على الأقل بخمسة أحزاب محترمة تقوم بدور النواية التى تسند زير الحياة السياسة المكسور فى مصر لا يمكن أبدا تكون شماعة نعلق عليها آمال تغيير مرغوب.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة