يستحق الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية من المسلمين تحية وتقديرا ليس فقط لأنه أنقذ القرآن من تفاهة المتأسلمين والباحثين عن الإسلام الشكلى.. إسلام زبيبة الصلاة والسبحة، ولكن لأنه تدخل فى الوقت المناسب لإنقاذ آيات الله من بين أيدى تجار ال" 0900" وفضائيات الهشك بشك.. لقد كان الأمر مضحكا حينما تقطع الفضائيات الوصلة الراقصة لتداعب مشاعرك الدينية بضرورة أسلمة هاتفك المحمول عبر نغمة قرآنية تنقذك وتنقذ هاتفك من عذاب جهنم الذى تأتى به نغمات هيفاء وهبى ونانسى عجرم وغيرهم.
أفتى الدكتور على جمعة بأن وضع القرآن الكريم أو الأذان مكان رنات المحمول نوع من العبث بقدسية القرآن الكريم مشددا على أن كلام الله أنزل للذكر والتعبد والتلاوة وليس لاستخدامه فى أمور تحط من شأن آياته المقدسة وتخرجها من إطارها الشرعى، وعظمة هذه الفتوى أنها جاءت فى وقت أصبحت فيه التجارة بالإسلام والالتزام سوقا رائجة وواسعة، وأصبح كل من يريد أن يخبر الناس أنه مسلم ملتزم ومحترم، تكفيه نغمة قرآنية تصدر من هاتفه لينتزع بعدها صيحات الإعجاب بأدبه والتزامه فى زمن أصبحت فيه اللحية والسبحة وزبيبة الصلاة وقراءة القرآن فى الميكروباص والأتوبيسات بصوت عال أهم من الصدق والإخلاص وإتقان العمل والابتسامة فى وجه الجار، فى زمن أصبح فيه كل موظف مرتش وكل عامل يتفنن فى تضييع الوقت مؤمن وملتزم، طالما أنه يتحدث بجمل محفوظة من نوعية جزاك الله خيرا والله يكرمك أهم من هؤلاء.. أصحاب الكلمات الطيبة، الذين لا ينهرون سائلا ولا يردون محتاجا ولا يقولون للعجائز أف ولا تعلم يسراهم ما أنفقت يمناهم.
فى هذا الزمن كان لابد أن تخرج فتوى بهذا الشكل لعلها تنقذ الإسلام من طوفان الشكليات الذى يسيطر عليه، من هوجة الطقوس والإفتكسات التى تأخذ من روحه وتشوه صورته، كان ضروريا أن تخرج تلك الفتوى بهذا الشكل لتجرم تحويل القرآن إلى أداة زينة جديدة وشهادة يثبت بها كل مدع التزامه، كان ضروريا أن تخرج هذه الفتوى الآن حتى لا نسمع مصطلحا جديدا اسمه الموبايل الإسلامى، وحتى لا يصبح كل من يرن هاتفه بشىء غير كلام الله أو حديث لرسوله فاسق حتى لو كانت رنة هاتفه شبه رنة تليفون دوار العمدة، كان ضروريا أن تخرج تلك الفتوى الآن حتى لا نسمع أو نشاهد إعلانا يقول اشتروا الموبايل الإسلامى.. الموبايل الإسلامى يأخذكم للجنة.
أعلم أن الفتوى قد تبدو لكم بسيطة وربما اعتبرها البعض مزايدة من مفتى الجمهورية، ولكن صدقونى هذه الفتوى أنقذتنا وأنقذت الإسلام من صورة يجتهد البعض من أجل فرضها على المسلمين فى كل مكان، جماعة من الناس تجتهد من أجل تحويل المسلمين إلى قوالب متشابهة، مجموعة من التجار يريدون فرض صورة واحدة للمسلم ولكنها للأسف صورة مضحكة.. شكل بلا مضمون.. طقوس بلا تعاليم حقيقية.. ملامح بلا جوهر.. كلام بلا فعل.. مجرد أشكال هاتفها يرن بكلمات مقدسة ومهما يرن لا تفهم ولا تتدبر ولا تتطبق.. أشكال هاتفها يقرأ من كلمات الله مهما يقرأ ولكنها لا تكف عن الكذب ولا تكف عن النميمة، أشكال هاتفها يرن بتعاليم روحانية وسماوية وعقولها وقلوبها ترقص على نغمات تعاليم أخرى دنيوية ومادية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة