بسمه موسى

حرية العقيدة للأقليات(3)

الأحد، 24 يناير 2010 07:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتناول الآن الحديث عن الجانب القانونى لحرية العقيدة ولكن ينبغى أن أبدأ مرة أخرى بنظرة تاريخية، حيث كان دستور سنة ١٩٢٣ ينص فى مادته الثانية عشرة على أن «حرية العقيدة مطلقة، وتحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية فى الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافى الآداب» وقد كان مفهوم هذا النص أنه ضمانة دستورية لحرية الاعتقاد أياً كان الاعتقاد، فقد أطلق الدستور هذه الحرية من أى قيد أو شرط. وكان المفهوم أيضاً أن الحماية التى قررها الدستور لإقامة الشعائر الدينية تشمل كل الأديان بدون ورود التفرقة التى ظهرت حديثاً بين أديان معترف بها أو أخرى غير معترف بها.

حقيقة الأمر أن النص الذى وضعته لجنة المبادئ العامة لدستور سنة ١٩٢٣م وإن كان مأخوذاً من مشروع مقدم من اللورد كرزون - وزير خارجية بريطانيا فى ذلك الوقت - إلا أنه لم يكن وليد تدخل من سلطات الاحتلال، ولكن جاءت إضافة حرية الاعتقاد إلى مشروع الدستور تنفيذاً لنص المادة ٢٢ من ميثاق عصبة الأمم، التى فرضت على الدول المشرفة على إدارة بلاد لم تحظ بعد باستقلالها، أن تضمن لشعوب هذه البلاد حرية الدين وحرية الضمير، بحيث لا يرد على هاتين الحريتين من القيود سوى عدم الإخلال بالنظام العام أومنافاة الآداب.

وكان قصد عصبة الأمم من ضمان الحرية الدينية تفادى إراقة الدماء بسبب المنازعات التى أثارتها فى دول البلقان كل من الحركات القومية والخلافات الدينية قبل الحرب العالمية الأولى، والتى ساهمت فى تهيئة المناخ لنشوب حرب ١٩١٤م.

وبعد ثورة ٢٣ يوليه وإلغاء دستور سنة 19٢٣م صدرت دساتير منها المؤقت ومنها الدائم، وصدرت تعديلات لهذه الدساتير، ولكن كانت كلها تنص على حرية الاعتقاد وحماية الشعائر الدينية فى حدود النظام العام والآداب. والدستور الحالى ينص أيضاً فى المادة ٤٦ على حرية العقيدة ولكنه لا يذكر النظام العام أو الآداب.

وبالرجوع إلى المادة ١٨ من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والتى تقرر حق كل شخص فى حرية الفكر والاعتقاد والإيمان، وحريته فى التعبير عن فكره واعتقاده وإيمانه، تقرر المادة ٢٧ من هذا العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والذى يعتبر بعد إدماجه فى النظام القانونى المصرى جزءا من القوانين السارية فى البلاد, على أنه: «لا يجوز، فى الدول التى توجد فيها أقليات أثنية [أى عرقية] أو دينية أو لغوية، أن يُحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الأخرين فى جماعتهم».

وهذا الموقف أكدته مصر للأمم المتحدة. من ذلك على سبيل المثال ما ورد فى التقريرين الثالث والرابع المقدمين إلى لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالأمم المتحدة سنة ٢٠٠١، وقد أعدهما رئيس الاستئناف والمشرف على الإدارة العامة لشئون حقوق الإنسان بمكتب السيد المستشار وزير العدل، فقد جاء فيهما ما يلى حرفيا: "تناول الدستور المصرى كافة مبادئ حقوق الإنسان وحرياته وضمنها أبوابه ومواده على نحو ما سيتم الإشارة إليه. ومما تقدم يتضح أن مبادئ حقوق الإنسان فى النظام القانونى المصرى بشكل عام تحظى بمرتبة القاعدة الدستورية والتى تستمد قوتها من الدستور حيث وردت فى نصوص دستورية".

ثم أشار التقرير إلى قضاء المحكمة الدستورية العليا، الذى ربط بين الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور وبين حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، كما تفسرها وتحددها ديمقراطيات المجتمع الدولى وتعبر عنها فى المواثيق والقرارات الدولية، فذكر بصورة خاصة: "إن المحكمة الدستورية العليا عند ممارستها لاختصاصها فى الرقابة الدستورية على القوانين اتخذت من المواثيق الدولية، ومما درج عليه العمل فى النظم الديمقراطية حيال هذه الحقوق والحريات وحمايتها وصونها، مرجعاً أساسياً لبلورة رؤيتها الذاتية لتلك الأمور…".

وأضاف التقريران إلى ذلك التأكيد التالى: "ترتيباً على ما تقدم فإن الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته ومن بينها الاتفاقية محل التقرير الماثل [أى العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية] تعتبر بعد التصديق عليها ونشرها بمثابة قانون من القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية، وبالتالى تعتبر نصوصها بمثابة النصوص القانونية المصرية الصالحة للتطبيق والنافذة أمام جميع السلطات فى الدولة سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية".
مفهومنا للوحدة الوطنية يجب أن يعرف ويؤمن بمفهوم التعدد والتنوع فى المجتمع،. لأن الوحدة الحقيقية لا تتناقض مع الاختلاف والتنوع فى الفكر والاعتقاد، ولا تستفيد من إغلاق منافذ التفكير، وإنما تزداد قوتها وصلابتها من خلال الانفتاح ومساواة الجميع على أساس انتمائهم للأسرة الوطنية بغض النظر عما يؤمنون به.

وتعزيز مشاركة المواطنين فى خدمة المجتمع على وجه أكمل. وترجيح حقوق المواطنة الذى أصبح الآن المادة الأولى من الدستور المصرى هو أفضل مثال على السير قدما فى تعزيز مبدأ المساواة وحقوق الانسان لجميع المواطنين.

وانتهى بتعريف المحكمة الدستورية العليا لحرية العقيدة على النحو التالى: "حرية العقيدة فى أصلها تعنى ألا يحمل الشخص على القبول بعقيدة لا يؤمن بها أو التنصل من عقيدة دخل فيها أو الإعلان عنها أو ممالأة إحداها تحاملاً على غيرها سواء بإنكارها أو التهوين منها أو ازدرائها، بل تتسامح الأديان فيما بينها ويكون احترامها متبادلاً. ولا يجوز كذلك فى المفهوم الحق لحرية العقيدة [للدولة]...أن يكون تدخلها بالجزاء عقاباً لمن يلوذون بعقيدة لا تصطفيها." وأن "كفالة حرية العقيدة التى نصت عليها المادة 46 من الدستور...يتفرع عنها الاعتداد الكامل والاحترام المطلق لعقائد المصريين الدينية كافة".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة