غدا 25 يناير وفى مثل هذا اليوم وقفت مجموعة من رجال الشرطة الجدعان فى وجه جنود الاحتلال الإنجليزى ليكتبوا بدمائهم ملحمة عظيمة لو كان فى مصر صناع سينما بجد لمنحوهم فيلما ملحميا أهم من أفلام هوليود.. غدا عيد الشرطة، وأعلم أن ما بين المواطن وضباط الشرطة "ما صنع الحداد"، وأعلم أن تجاوزات بعض الضباط لم تجعل لدى أحد من المواطنين رغبة فى أن يقول لكل ضباط مصر كل سنة وأنتم طيبون.. فلا أحد ينسى قصص التعذيب واستغلال السلطة وغيرها من الأفعال التى شوهت صورة رجل الأمن فى مصر ..
ولكن هل أبدو منطقيا إذا طالبتكم بوضع كل هذه الأشياء على جنب والالتفات إلى تلك النماذج الرائعة التى تستكمل مسيرة الشرفاء الذين ضحوا بأرواحهم فى الإسماعيلية منذ 58 عاما؟ هل أبدو منطقيا وأنا أطلب منكم أن تضعوا كل تجاوزات رجال الشرطة على جنب وتركزوا مع هؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم وقتلوا على أيدى تجار مخدرات وبلطجية فى سبيل أداء واجبهم؟
لا أعرف.. ولكن فى النهاية سيبقى أن رجال الشرطة فيهم من هو الأخ أو الصديق أو الخال أو العم أو الجد، وفيهم من أكد على شرفه وجدعنته وقدم روحه على ذلك برهان، وفيهم من أعجبتنا بشاشة وجهه وشهدنا بأعيينا كيف يضع القانون فوق رأسه ويضع سلطته أسفل قدمه.. هذه الأنواع وماهو على شاكلتها نحبه ونقدره ويستحق أن نخبره فى عيده أن كل سنة له وهو فى خدمة هذا الوطن طيب.
أعتقد أن ذلك الغلبان الذى يقف على قدميه مقدما محاولات بائسة فى تنظيم حالة مرورية صعبة كتلك التى نعيشها فى مصر فى ظل سوء حالة الطرق، وسوء حالة السائقين وعدم احترامهم للقانون والسيارات، يستحق من كل حب واحترام.. هذا الذى يتحمل سخافة وقلة أدب بعض السائقين أحيانا، لأنه أغلق الإشارة أو فتحها أو منعهم من الدوران بشكل مخالف يستحق منا ما هو أكثر من التقدير.
وأعتقد أن هؤلاء الذين لا تتعدى رواتبهم الجنيهات القليلة ويلقون بأنفسهم فى نيران الحرائق وحطام المنازل وركام الكوارث يستحقون منا كل حب واحترام.. رجال المطافى من أصغر عسكرى فيهم واقف على الخرطوم وحتى أكبر لواء يستحقون شكرا ما، وجب لأحد غيرهم فى الجهاز الأمنى، ربما لأن رواتبهم أقل من أن نتكلم عنها، أو لأن عدد ما يقدمونه من جرحى ومصابين يفوق الوصف دون أن يدرى بهم أحد.. فهل يتذكر أحدكم ضحية حريق مجلس الشورى وعدد المصابين به؟ وهل يتذكر أحدكم أن عمارة مصر الجديدة التى انهارت فى 2004 سقط تحت أطلالها حوالى 11 من رجال الإطفاء والإنقاذ ما بين جريح وقتيل؟!
وأعتقد أن هؤلاء الذين رفضوا الرشاوى فى سوهاج وغيرهم من مختلف المحافظات يستحقون الشكر والتقدير.. وأعتقد أن رجلا مثل اللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة- ومثله كثيرون- يستحق الكثير من التحية والتقدير.. دائما فى الشارع .. دائما بين المواطنين .. دائما على قدر الاستغاثة.. دائما مستمع للشكوى .. ودائما نموذج محترم يمكنك أن تقدمه للجميع ولنفسك حينما تسقط فى بركة من أخبار التعذيب وتجاوزات ضباط الشرطة غير المسؤلين.
وأعتقد أن جنود الأمن المركزى هؤلاء الغلابة الذين يحشرونهم كالسردين فى علب الصفيح، هؤلاء الذين يقفون بالساعات فى عز الحر والبرد.. هؤلاء الذين يأكلون من تراب الأرض وتضيع أيامهم فى مراقبة اعتصامات ومظاهرات لا يفهمون منها شيئا، ويرسلونهم إلى الحدود لاستقبال الرصاصات الإسرائيلية يستحقون منا كل تقدير رغم عصيهم التى تضرب فى المظاهرات ولكن عذرهم الوحيد أن عصيهم تتحرك بأوامر فوقية وليس طبقا لتعليمات قلوبهم.
وأعتقد أن هؤلاء البسطاء الذين يحرسون الكنائس والجوامع والبنوك فى حاجة منا إلى تحية وتقدير لأنهم وضعوا أنفسهم فى موقع الخطر دون أن يحصلوا على تدريب كافى أو ملابس أو أدوات تقيهم شر الاعتداء أو شر تقلبات الجو.. وشر سخافة المواطنين. وأعتقد أن هؤلاء سواء كانوا ضباطا أو عساكر صغارا الذين يسهرون فى الكمائن وتشوطهم سيارات البلطجية، وتسخر من كرامتهم سيارات السادة أصحاب المناصب العليا فى حاجة إلى شكر وتقدير..
كل هؤلاء وغيرهم من الذين يشكلون امتدادا لرجال شرطة الإسماعيلية الذين واجهوا أسلحة جنود الاحتلال الثقيلة بمسدساتهم الخفيفة يستحقون منا كل تحية وتقدير وحب ولا يليق بهم أبدا أن نحشرهم فى ذمرة واحدة مع هؤلاء الذين جعلوا من التجاوز حرفة واستغلالا للسلطة والنفوذ وسيلة لإشباع رغباتهم المريضة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة