د.فوزى حتحوت

أزمة فى نجع حمادى

الأربعاء، 27 يناير 2010 07:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا خلاف أن مذبحة نجع حمادى تعد على كافة المستويات بصمة سوداء فى جبين الوحدة الوطنية، وضربة لاحترام حرية العقيدة، وإساءة واضحة للشرعية التى نص عليها الدستور المصرى فى مادته الأولى من أن "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة.."، ومن المؤكد أن النظم لا تعتدل فقط بالنصوص والأقاويل والشعارات، لكن حتى نستطيع تفعيل نصوص المواطنة واحترام عقائد بعض علينا أن نكون أيضًا نحن غير عنصريين، ولا نحمل بداخلنا الإحساس بالاضطهاد؛ وحتى يتم مثل ذلك الوضع لزم على الدولة أن تعيد النظر فى أساليب التعليم ووسائله، وتحتم عليها أن تغلق أبواب الفراغ، الذى أصبح المواطنون يعانون منه، سواء تمثل فى البطالة والفتاوى العشوائية ومحاولة لى الأذرع بسيل التشريعات التى أضحت وسيلة الدولة، كلما تعرضت لأزمة بدون تفعيل مستويات إدارة الأزمات وأجهزتها، وتبنى منهج قادر على بناء آليات التقدم والتنمية والتطوير، وستتعرض الدولة للعديد من الأزمات ما لم تتبنَ مشروعا قومياً أو حتى مشاريع جادة يلتف حولها المجتمع، فالترهل الذى أصاب النظام الحاكم أضحى يجب النظر فيه، ولم تكن أزمة نجع حمادى مجرد حادث فردى يشير إلى أفراد محددين، بل تجاوزه إلى سوء إدارة واضح على غالب المستويات، سواء انتقالاً من حوادث القطارات ومرورًا إلى الرى بمياة المجارى ووصولاً إلى أزمة مصر والجزائر، وانتقالاً إلى أزمة الثقة التى برزت ملامحها فى رفض المواطنين حصول أبنائهم على مصل أنفلونزا الخنازير، بالرغم من مبادرة وزير التعليم فى أخذ الحقنة التى ذهبت به خارج منصبه، ونهاية وليس آخرًا أزمة السيول التى تعرضت لها البلاد بسبب سوء إدارة المسئولين وعدم إحساسهم بالمسئولية والاكتفاء بمظاهر المناصب دون تقدير مسئولياتها والأولويات التى يجب أن تتبع، وستظل الكوارث والأزمات تطارد مصر لسوء سياساتها وإداراتها التى تؤمن فقط بالدور الأمنى وبسيل التشريعات التى تعتقد أنها رادعة دون اتخاذ إجراءات حقيقية قادرة على إذابة عنصرى الأمة فى بوتقة العمل الوطنى، إننا فى احتياج لتقدير أن هناك ما يدفعنا إلى الاعتقاد، وضرورة احترام عقائد بعضنا البعض ما دامت مشروعة وما دامت تحترم حق الآخر، وما دامت لا تهدد بقاء الإنسانية واحترام الوحدة الوطنية.

إن الخطر الحقيقى الذى تتعرض له مصر يكمن فى البدء من داخلها، نتيجة سياسات جد خاطئة وقادرة أن تعرض مصر للمزيد من المخاطر مادمنا لا نسعى لأى إصلاح حقيقى، ونكتفى بالشعارات والأقاويل وسيل التشريعات التى تزيد من الكبت لدى الأفراد، دون تقديم مقابل حقيقى يرفع من عزه وكرامة المواطن.

إن عنصرى الأمة فى مصر معرضون للمزيد من المخاطر ما لم يعيد النظام الحاكم النظر فى أولويات اهتماماته، والإحساس بمسئولياته المتمثلة فى رعاية الشعب والاهتمام برفع كفاءته ومهاراته المختلفة، والاهتمام بعصر العلم ودعم العلماء والمشاريع الكبيرة والمساهمة فى دعم أدوات التفكير المهارى، ولعل تراجع الأغانى الوطنية فى عصرنا التى أضحت لا تردد إلا فى انتصار منتخبنا القومى للكرة خير دلالة على ما أصبحنا نتعرض له من تراجع الإحساس بالوطنية التى تريد أن يتنفسها الشعب ويعطيها حقها، أين المشاريع التى يتغنى لها المصريون بكل فخر واعتزاز مثل "قولنا هنبنى وادى إحنا بنينا السد العالى"، وغيرها من الأغانى التى يهتز لها وجدان المصرى ويحس فيها بإخوة المصرى والفخر يجرى ما بين عروقهما بصناعة المجد ورفع رايات البناء والتقدم.

إن التراجع الذى تعانى منه مصر سواء على المستوى الدولى أو الإقليمى أو المحلى أصبح لا يقبل السكوت عنه، وأصبح من الواجب الوطنى بحث سبل علاجه، بآليات حقيقية وأبحاث حقيقية قادرة أن تعيد المجد لمصر وتسترد للشعب إحساسه ودوره سواء على المستوى الخارجى أو الداخلى، إن الشعب مثل أى مجتمع إذ ترك بمفرده دون رؤية أو تعليم سليم يبنى المهارات ازدادت الجرائم بداخله وانتشرت الفتن فيه، واستأسدت مجموعات وأفراد، على حساب الآخرين.

إن مذبحة نجع حمادى تخالف كل ما ذهبت إليه الأديان والأعراف والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان والعهود المهتمة باحترام حرية العقيدة، من احترام عقائد الآخرين وتأمينهم، والحفاظ على سلامتهم، ولكن فى ظل غياب الرؤية والهدف والمشروع القومى أو غيره من المشاريع الجادة المؤثرة والمدعمة لانصهار عنصرى الأمة فى بوتقة العمل الوطنى، ستتوالى الأزمات وتزداد أجواء الانهيار والسقوط والتعدى غير المشروع على أفراد المجتمع اللى هو الشعب فى نهاية المطاف.

ولن تفلح كثيرًا أقاويل المشاركة والشعارات ما دام لم يصاحبها عمل جاد وإصلاح حقيقى على العديد من المستويات، فالكلمات لوحدها أصبحت غير جديرة بالتقدير ما لم يحس المواطن، فعلاً بنقلة نوعية حقيقية قادرة أن تدعم الشعب وتنقل نظرته إلى أهداف حقيقية ورسالة جادة يسعد بحملها وبعبئها، ولن تسير الشعوب فقط بالكرابيج والكلام المعسول الذى لا يقدم ولا يؤخر، خاصة فى هذا العصر، عصر الاتصال والسماوات المفتوحة وانتقال المعلومات بسرعة البرق.

وانتشار الجبهات داخل وخارج مصر يزيد من الوضع سوءًا، ما لم يتخذ النظام الحاكم خطوات جادة وسريعة للإصلاح وللتغيير للأفضل، ولا يقبل أن ننشغل بوضع على حساب أوضاع أخرى هامة ولها أولوياتها، ولها تأثيرها الحقيقى، خاصة أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية وقد يحصد النظام القائم الأصوات ولكنه لن يستطيع أن يحشد القلوب والعقول، وستزداد الأوضاع تدهورًا ما لم يتحرك النظام ويدرك أن مسئوليته لن تكون فقط أمام الشعب، ولكن للعولمة دور موجود سواء قبلنا به أو رفضناه.

إن مصر على حافة منحدر ما لم تتخذ إجراءات قادرة على ضمان نقلة حقيقية للأمام تفعل به دورها الذى يتعرض للهجوم كثيرًا، سواء من الداخل أو من الخارج، فالإصلاح لن يتم إلا بخطوة حقيقية فى إصلاح التعليم وبناء المهارات الفردية والجماعية داخل المجتمع، وإعادة النظر فى أهداف الدولة ورسالتها ودورها وتفعيل دور المؤسسات بشكل مؤسسى ومنهجى داخل المجتمع، مما يضمن مجتمع متضافر ومترابط ويشغله البناء لا الهدم، وإلا علينا أن نسلم بما يقولون يا سادة "الفاضى يعمل قاضى".
رئيس جماعة القسطاس الحقوقية








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة