منذ اللحظة الأولى لوقوع الجريمة فى نجع حمادى، والتى أدت إلى مقتل 6 أشخاص مسيحيين وواحد مسلم تصادف وجوده على مسرح الجريمة، بالإضافة إلى إصابة العديد، كانت تصريحات المسئولين وعلى رأسهم المحافظ، أن الجريمة جنائية وليست سياسية، وفى مناقشات مجلس الشعب ومجلس الشورى استمر الإصرار على هذا التوصيف، وكثير من الرأى العام لا يعرف التفرقة فى تعريف الجريمة ولماذا هذا الإصرار، وما هو الأساس الذى يمكن من خلاله التعرف على الوصف الدقيق للجريمة، وأخيراً ما هى النتيجة التى تترتب على توصيف الجريمة جنائية أم طائفية، فى الحقيقة إن الإصرار على وصف الجريمة بالجنائية معناها أننا نريد أن نضع رؤوسنا فى الرمال ولا نريد أن نبصر الخطر الذى يتوغل فى جسد المجتمع المصرى، ويهدد نسيجه بالتفتت والصراع الذى إذا نشأ لن يبقى شىء إلا وحطمه.
بالطبع الفارق كبير فوصف الجريمة على أنها جنائية تعنى بالأساس إنها كأى جريمة قتل أخرى من الجرائم التى تتم سواء بدافع الثأر أو بدافع السرقة أو بأى دافع، المهم أنها لا تثير أى مشكلة سواء أن رجال الشرطة عليهم العمل وبذل الجهد للتوصل إلى الفاعل، فكل المجتمعات لديها مجرمون يرتكبون أنواعاً شتى من الجريمة، أما ما حدث هو تحول نوعى فى الصراع الطائفى فى مصر، فقد تصاعدت المشاحنات لأسباب مختلفة بين المسلمين والمسيحيين وفى أكثر من محافظة من سوهاج إلى الإسكندرية إلى المحلة إلى العياط فى الجيزة ثم فرشوط، وأخيراً نجع حمادى وبهجورة، وفى الحقيقة وبدون أدنى شك هذه الجريمة وبامتياز هى جريمة طائفية، فالدافع على ارتكابها طائفى، سواء استناداً إلى اعتراف أحد المتهمين بأنه ارتكب الجريمة بعدما تأثر بما حدث فى فرشوط يقصد اغتصاب الفتاة المسلمة، أو استهداف المصلين المسيحيين يوم عيدهم، بعد خروجهم من الكنيسة، لاسيما وأن المتهمين لم يستهدفوا شخصاً أو أشخاصاً معينين، وإنما أطلقوا الرصاص عشوائياً ضد تجمع من المواطنين المسيحيين، بهدف إيذاء أكبر عدد ممكن منهم.
معنى أننا نصر بعد كل هذا الوضوح أن الجريمة جنائية وليست طائفية، هى أنها لا نريد أن نقوم بما يجب علينا أن نقوم به، وهذا يمكن أن يفسر حالة الغضب الشديد للإخوة المسيحيين نعم لديهم حق فى غضبهم، لكن ماذا بعد الغضب، أن نعمل على البحث عن الحلول ومعالجة الوضع قبل أن يتفاقم، فهذا البلد يستحق منا أن نعمل من أجل أن يتطور ويتقدم بأبنائه، وبداية أى حل هو الاعتراف بحقيقة المشكلة وجوهرها، فأغلب أو 50% من النزاعات بين المسلمين والأقباط يمكن وضعها فى إطار بناء وإصلاح دور العبادة وهى ناتجة بالطبع لأن القانون الموجود عفا عليه الزمن، وهنا ضرورة إلى وضع قواعد جديدة تصمن المساواة بين المصرين فى بناء دور العبادة على أساس المواطنة كأساس الحقوق والواجبات وفق معايير محددة تلبى احتياجات المواطنين الروحية فقط وليست التى تتم فى إطار التنافس الدينى، إذا حددنا مثلاً دور عبادة لكل عدد محدد من المواطنين من المنتمين لدين يمكن أن يكون معياراً ويمكن طبعاً الاتفاق على معايير أخرى المهم العدالة والمساواة.
هذا القانون هو حجر الزاوية وباقى المنازعات على تنوعها فى حاجة إلى تطبيق معاير دولة سيادة القانون وحقوق الإنسان، فلا أحد فوق القانون ولا تمييز بين المواطنين على أى أساس، فحقوق الإنسان للجميع هى الحل، هنا فقط يمكن أن نكفى بلدنا شرور وآثام الصراعات الطائفية والدينية، التى تفتح باب جهنم لكل من هب ودب للتدخل فى شئوننا.
أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة