قبل عامين تقريباً دار بينى وبين شاب إخوانى متحمس حديث طويل حول مستقبل جماعة الإخوان فى ظل الحراك السياسى الذى تعيشه مصر منذ عام 2005.. من جانبى توقعت أن ينتهى الضغط الأمنى المتصاعد بحق أعضائها بصفقة سياسية، يتم بموجبها، عدم اعتراض الإخوان على مبدأ انتقال السلطة من مبارك الأب إلى مبارك الابن.. كان رأيى صادماً، فى حينه، بل وجاء مخالفاً لرأى الشاب الإخوانى، وكثير ممن شاركوا فى ذلك النقاش.
الآن لم أندهش من الإشارات التى صدرت مؤخرا عن الجانبين - الحكومة والإخوان- بشأن الاتجاه لتجميد مئات القضايا المتهم فيها قيادات إخوانية، واحتمالات الإفراج عن عشرات من أتباعها الموجودين فى السجون حالياً، بمن فيهم القيادى البارز، وممول الجماعة المهندس خيرت الشاطر.
لكن المدهش حقاً أن يتواكب الحديث عن الصفقة فى نفس الوقت الذى دعا فيه مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع، إلى تشكيل هيئة عليا لوضع دستور دائم للبلاد، وأن يتخلى الرئيس مبارك عن رئاسة الحزب الوطنى، وأن يشكل حكومة انتقالية تشرف على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلتين.
وبثقة شديدة أعلن المرشد أن الجماعة ستخوض انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى المقرر إجراؤها فى أبريل المقبل، على عكس تعهد قادة الحزب الوطنى، بالحفاظ على الشورى "نظيفا" من أى إخوانى!!
شخصيا لست مع أسلوب تلفيق القضايا، ولا محاكمة أعضاء الجماعة أمام قضاء استثنائى، ولا مع حرمان أعضائها من ممارسة كافة الأنشطة السياسية وفقا للقانون والدستور، لكن فى نفس الوقت لا أؤيد "ألاعيبها" السياسية، ولا دخولها فى صفقات تحيطها الشبهات مع النظام.
المثير أيضاً أننا لم نسمع للجماعة صوتاً – على غير عادتها - فى قضية ترشيح شخصية مستقلة مثل الدكتور محمد البرادعى، فلا هى أعلنت دعمها له ولا لغيره من الأسماء التى جرى تداولها بين الناس كمرشحين محتملين، لمنافسة مرشح الحزب الوطنى فى انتخابات الرئاسة المقبلة.. موقف الجماعة تجاه هذه القضية الخطيرة التى تمس مستقبل مصر ظل غامضاً باهتاً، حتى خرج علينا مرشدها قبل أيام، بملامح الصفقة التى أعلن فيها أن جماعته ستؤيد مرشح الحزب الوطنى حتى لو كان جمال مبارك!!
على حد معلوماتى، لا أحد يستطيع التكهن بدقة ما هو "التكتيك" الذى تتبعه الجماعة بعد الانقلاب الأخير الذى استبدلوا فيه وجوه إصلاحية واضحة وجريئة، بوجوه أخرى تبطن أكثر مما تظهر، حتى أصبح المرء يظن أحياناً أنه أمام تنظيم "سرى" وليس جماعة سياسية تسعى للمشاركة فى السلطة!!
على كل حال هذه الصفقة أو التمهيد لها يضاعف من التشكيك، وفقدان الثقة فى نوايا الجماعة وقيادتها، فيما يضمروه تجاه مستقبل السلطة فى مصر، بعد أن قدموا مصلحة التنظيم على مصلحة الوطن.
السؤال الذى يطرح نفسه حاليا، هو إلى متى تظل هذه الجماعة تمثل لغزاً محيراً للباحثين، فلا هى تحولت إلى حزب سياسى يبلور رؤى أتباعها ويجعلنا نحكم على برامجها وأفكارها، ولا هى أصبحت جماعة دعوية تقدم العون الخيرى للطبقات المطحونة.. ومن ثم تترك العمل السياسى، لمحترفين يجيدون فنون المكر والخداع.. كنت أتوقع أنا وغيرى من قادة الجماعة أن يكونوا أكثر وضوحا وشفافية فيما يتعلق بالقضايا الوطنية، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
بالطبع الحزب الوطنى والنظام، هما أكثر المستفيدين من بقاء الجماعة على حالها كمسمار جحا فى نعش الحياة السياسية المصرية، وشماعة يعلق عليها النظام كل "إخفاقاته".. فوضعها الغامض دائما، يسهل إمكانية عقد الصفقات المريبة مع قادتها، خاصة بعد أن نجح النظام فى عقد صفقة مماثلة مع الأقباط.. مثل هذه الصفقات المشبوهة استفادت منها كل الأطراف سواء الإخوان، أو الأقباط، أو النظام، لكن الخاسر الأكبر فيها كان الشعب المصرى والديمقراطية التى ضاعت هباء وسط طوفان المزادات الرخيصة والصفقات القذرة.
* رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة