انزعجت كثيرا من تلك النغمة التى استمتع البعض بعزفها ليلة أمس عقب الفوز التاريخى لمنتخب مصر على منتخب الجزائر.. تلك النغمة التى تستنكر على الشعب المصرى فرحته بالفوز فى مباراة كرة قدم.. تلك النغمة التى اعتبرت أن خروج الناس بالآلاف إلى الشوارع للاحتفال بتدمير المنتخب الجزائرى نوع من قلة الأدب بسبب المبالغة فيها، بينما المنكوبون فى كارثة السيول يعانون مع مأساتهم، والمحاصرون فى غزة يعانون مع حصارهم.. هكذا حاول البعض أن يفسد فرحة المصريين بمباراة أمس.. هكذا حاول بعض المتحذلقين والمتفذلكين أن يضربوا كرسيا فى ذلك الفرح الشعبى غافلين عن أهلنا فى سيناء والصعيد، نسوا السيول ودمارها وكانوا على رأس الذين احتفلوا بفوز رد الاعتبار.. غافلين عن أن العلم الفلسطينى كان حاضرا بقوة فى الشوارع المصرية ليلة أمس.. وغافلين عن شىء أهم وأعظم هو أن العلم المصرى لم يرفرف على أرض غزة إلا بسبب فوز المنتخب المصرى وبسبب الغائب الحاضر محمد محمد أبو تريكة..حينما سمعتهم بالأمس وهم يتكلمون عن الغيبوبة التى يعيشها الشعب المصرى بسبب مباراة كرة قدم كنت أريد أن أرد بقوة على كدابين الزفة هؤلاء الذين ظهروا على عدد من الفضائيات العربية فى محاولة لإفساد فرحة المصريين أمس، ولم أجد ما أرد به سوى تلك الكلمات التى قلناها من قبل وسنظل نرددها كلما ظهر أحدهم لينتقص من قدر فرحتنا بالمنتخب المصرى لكرة القدم أو حتى لكرة السرعة أو حتى "للبلى"..
لا تكتم الفرحة بداخلك.. افرح قدر ما تستطيع لأن الفرح فى هذه البلد بفلوس .. وفلوس كتيير أوى، ليس عيبا أن تفرح وتهلل وتهيص وتنفعل بسبب مباراة كرة القدم، فاللعب ليس فى كل الأحيان للعيال فقط، ولا ضرر من بعض اللعب الذى يعيد بث روح الوطن فى نفوسنا مرة أخرى.
إلى كل هؤلاء الذين اعتبروا طوابير الفرحة فى شوارع مصر بعد الفوز على الجزائر أمس، نوعا من أنواع السفه والتفاهة، أرجوكم اتركونا فى حالنا، دعونا نحب مصر على طريقتنا طالما فشلنا فى حبها على طريقتكم، دعونا نحب مصر التى تنتصر بدلا من الخجل من مصر التى لا تستطيع أن تختار رئيسها، دعونا نصرخ بعد أهداف الفوز أفضل من أن نصرخ ونحن نشاهد حوادث القطارات وصخور المقطم وهى تتدحرج فوق منازل الغلابة، دعونا نفرح بأعلام مصر التى ترفرف من شبابيك السيارات وبلكونات المنازل بدلا من صدمة رؤية الأعلام الممزقة والمتسخة فوق أسطح المدارس والمؤسسات الحكومية، دعونا نَخُض غمار معركة الزحام فى شوارع جامعة الدول العربية ومدينة نصر ووسط البلد ونحن راضون مبتسمون، بدلا من الانتظار فى نفس الشوارع تحت رحمة الأداء المرورى السيئ، والعسكرى أبو عصاية بتنور، اتركونا نفرح بعطاء 11 رجلا فى الملعب وهدوئهم وحسن خلقهم، بدلا من أن نفرقع من الغيظ ونحن نشاهد رجال أعمال الحكومة يسرقون أموالنا، و"يصرفون" مما يسرقون ببذخ على حفلات تنتمى إلى نوعية الهشك بشك، اتركونا نسعد بجهد أحمد حسن وعماد متعب وأحمد فتحى والوفد الجديد جدو، بدلا من أن نصاب بالسكتة القلبية ونحن نشاهد وزراء ومسئولين لا يتحركون من مكاتبهم إلا إذا استدعاهم الرئيس، اتركونا نستمتع بهذا المشهد النادر الذى يظهر به ملايين المصريين وهم يبتسمون ويصرخون من الفرحة، بدلا من تلك الصور التى نشاهدهم بداخلها باكين، عابسين، مرضى، وأشباه أموات فى انتظار رحمة عزرائيل.. افرحوا واستمتعوا قدر ما شئتم ودعوا المتحذلقين فى بحور حزنهم وفشلهم يغرقون.