هل صعب على نظام الرئيس مبارك إلى هذه الدرجة، أن يفرق بين خصومته مع حماس وبين طريقة تعامله مع أطفال ونساء قطاع غزة؟ هل ما فعله هذا النظام وهؤلاء الوزراء فى الشعب المصرى منح قلوبهم قسوة لا تلين أمام صور الحصار والأطلال وفكرة الأطفال التى تعانى من سوء التغذية داخل أرض فلسطين؟
لا تفسير آخر يمكن أن يتقبله العقل سوى هذا، أن النظام المصرى لا يشعر أصلا بما يحدث فى غزة، أن السادة المسئولين فى حكومة مصر قد اعتادوا على محاصرة الغلابة من المواطنين بالأسعار المولعة والضرائب التى ترحم والمرتبات التى تطير بعد أول خمسة أيام فى الشهر، ولذلك لم ترق قلوبهم حينما أخبروهم أن هناك أطفالاً ونساءً فى غزة لا يجدون الطعام والدواء، لم تدمع عيونهم حينما قالوا لهم إن هناك فى غزة أطفالا بلا مأوى، وأوجاع بلا مستشفيات، لم يصيبهم الخجل فى مقتل وهم يشاهدون الأجانب يستميتون من أجل أن تصل غزة لقمة زيادة أو شريط برشام إضافى.. لم يتأثروا بأى من هذا لأنهم فى مصر صنعوا بأيديهم تلك الحالة، بل وأكثر منها انظر للعشوائيات وطوابير المرضى أمام شبابيك التأمين الصحى، والعشرات الذين يفترشون أسفل الكبارى، والمئات الذين ينتحرون بسبب فشلهم فى توفير وجبة عشاء أو كسوة الشتاء.. انظر لهؤلاء وسوف تجد إجابة على كل الأسئلة التى تحيرك فى شأن تجاهل الدولة لقطاع غزة وحالتة التى تصعب على كل الكفار.. حتى بتوع قريش.
لا تفسير للجدار الفولازى، ولا تفسير للمعبر الذى يفتحونه على استحياء، ولا تفسير للعراقيل التى يضعونها أمام القوافل الأجنبية سوى هذا الكلام السابق، هؤلاء يا عزيزى خاصموا الرحمة منذ زمن، وفضوا تعاقدهم مع الإنسانية من فترة، ولا تعجبهم فكرة قضاء حوائج الناس، هؤلاء يا عزيزى لا تنقبض قلوبهم حينما تسمع آذانهم أو تشاهد عيونهم آثار الحرب والحصار على القطاع الفلسطينى الفقير، ولا تتخيل أن هناك يوما سيأتى فى المستقبل وينصلح حالهم.
لحظة من فضلك.. لا تتخيل أننا نختلف عنهم كثيرا، فنحن نشبهم بشكل أو بآخر، وهل هناك دليل أكثر من استيرادنا لمجموعة من النشطاء الأجانب بهدف تنظيم قافلة لمساعدة أهل غزة، لم تأت قافلة من الرياض أو تونس أو الجزائر ولم يزحف المئات من محافظات مصر وحوارى بيروت ودمشق وشوارع الكويت وقطر من أجل مساعدة غزة، سبقنا مجموعة من عجائز وشباب أوربا ليس فقط بالمال والغذاء والدواء بل بالاستعداد لمواجهة ذل المعاملات الرسمية وسخافة الموافقات الأمنية، والتظاهر ليل نهار أمام كل باب قد يفتح لهم بابا نحو أطفال غزة الجياع، لم يفعلها السادة أعضاء كفاية الذين اكتفوا بالهتاف ضد التوريث، ولم يفعلها الإخوان الذين فضلوا الجلوس بجوار مكتب الإرشاد لحين رؤية الدخان الأبيض ومعرفة أبوهم القادم، ولم تفعلها الاحزاب لأن أمن الدولة لم يسمح لرؤسائها بذلك.. أما نحن فقراء هذا الوطن وبسطاؤه فلا نجيد التجمع ولا التجمهر ولا التحرك ولا نستطيع أن نجمع لأهلنا فى غزة رغيف عيش من هنا وكيس سكر من هناك إلا بموافقة أمنية والأمن لن يمنح لنا موافقة إلا بمزاجه.. ولهذا يبقى الدعاء هو سلاحنا الوحيد، يشعرنا بالخجل أحيانا وبالضعف أحيان أخرى، وبالكسوف حينما نشاهد الأوروبيين وهم يتظاهرون على سلم نقابة الصحفيين بدلا منا.. وحتى لو قررنا التظاهر فقد أكدت التجارب أننا لا نجيد إجبار الحكومة على شىء، ربما لأن نفسنا قصير أو ربما لأن حكومتنا بجحة أكثر من اللازم.. فماذا نفعل إذن؟ هل ننتظر أم نزيد حصتنا من الدعاء، أم نرتدى أحزمة ناسفة ونفجر أنفسنا فى إخواننا الذين يملأون الشوارع ووضعهم حظهم داخل بدلات عسكرية، أم نبدأ بإصلاح القاعدة حتى نستطيع الوصول إلى الرأس؟ أم أظل أنا وغيرى نكتب وتظلوا أنتم تقرأون؟.. لا أملك إجابة واضحة على أى علامة استفهام سابقة ولكن مجرد طرحها يشعرنى بالراحة، وكأنى أنجزت جزءا من مهمتى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة