كل يوم تطالعنا الصحف بأخبار جديدة عن تزايد حالات الفشل الكلوى والسرطان بسبب تلوث مياه النيل، وآخرها تصاعد أزمة مرض الفشل الكلوى فى مدينة دمياط وضواحيها بصورة ملحوظة، الأمر الذى دفع عدداً من منظمات المجتمع المدنى للبدء فى جمع توكيلات من المرضى، تمهيداً لرفع الأضرار التى لحقت بهؤلاء المرضى.
أهالى دمياط المصابون مجرد عينة لعدد كبير من المواطنين الذين يعتمدون على مياه الحنفية بدون فلاتر أو مياه الطلمبات الحبشية وهى أخطر، حيث تختلط المياه الجوفية فى أحيان كثيرة بمياه الصرف الصحى. وهناك أعداد كبيرة من المصانع الواقعة على ضفتى النهر، تلقى بمخلفاتها فى النيل دون معالجة، بدءاً من مصانع كيما فى أسوان، ومصانع السكر فى كوم إمبو ونجع حمادى وإدفو ودشنا وقوص، مرورا بمصانع الزيوت والصابون فى سوهاج، ومصانع حلوان وأسيوط والدقهلية وكفر الدوار وغيرها.
وتشير مصادر إلى أن شركة النصر للكوك والكيماويات وحدها تلقى فى النيل يوميا 16 ألف متر مكعب مخلفات صناعية سائلة تحتوى على مواد عالقة وتركيزات عالية من الأمونيا والنترات، كما تلقى شركة الحديد والصلب حوالى (600) ألف متر مكعب فى اليوم مخلفات سائلة عالية الملوحة، وتحتوى على تركيزات عالية من الحديد والمنجنيز والزنك، هذا غير عشرات المصانع الخاصة التى تلقى بمخلفاتها مباشرة فى النيل.
فى المقابل أصدرت محكمة إمبابة الجزئية أمس حكماً تاريخياً بحبس مسئولى أحد المصانع الخاصة بعد إدانتهم بإلقاء المخلفات شديدة التلوث بمصرف السرو بمنطقة إمبابة، مما يجعلنا آملين فى وقف التعديات على النيل من أول مصنع كيما بأسوان وحتى المصانع الخاصة فى إمبابة والساحل التى تنزع إلى الاستسهال وإلقاء مخلفاتها فى النيل مباشرة، مما يعود بالسم الهارى على المواطنين الذين سرعان ما يصابون بالفشل الكلوى وأمراض السرطان، ويعودون على الحكومة من جهة أخرى لمطالبتها بفواتير الغسيل الكلوى أو زراعة الكلى أو العلاج من أمراض السرطان.
الأوفر للحكومة الرشيدة أن تعمد لوقف مصادر تلوث النيل بحزم سواء كان من قبل مصانع حكومية أو مصانع القطاع الخاص، ففى ذلك حماية لمئات الآلاف من المواطنين ينزلقون سنوياً إلى دوامة الفشل الكلوى وأمراض السرطان، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ستستفيد الموازنة العامة من تقليل فاتورة الدعم الصحى فى حال تراجع أعداد المرضى بهذه الأمراض الخطيرة، كما ستتحسن أنواع كثيرة من المحاصيل الزراعية بما يمنح شركات التسويق الزراعى فرصة أكبر لفتح أسواق جديدة للمحاصيل المصرية فى الخارج. يعنى العملية ليست مجرد واجب ثقيل تقوم به الحكومة تجاه المخالفين المجرمين فى حق النيل، لكنها جزء من حساب الموازنة العامة ودور وزارة المالية الغائب فى سد الفجوات وتنظيم الدخل بطريقة أخرى غير فرض الضرائب!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة