خالد صلاح

يحيى الكومى.. من أين لك هذا ؟!

السبت، 30 يناير 2010 12:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم نسمع مثلا أن السيد يحيى الكومى أصابته أزمة قلبية بعد أن فقد هذه الملايين، أو أن استثمارات الرجل انهارت فى البورصة بعد أن ضاعت منه ثرواته، بل على العكس من ذلك، بدا كأنه يشكو ضياع عشرة جنيهات من محفظته العامرة


لم أشأ الكتابة فى قضية السيد يحيى الكومى والسيدة خلود العنزى خلال نظر التحقيقات أمام النيابة العامة لسببين: الأول.. لتفادى التدخل بالرأى فى وقائع تفصيلية تفحصها جهات التحقيق القضائية، والثانى.. لأن الرأى الذى خرجت به من قراءة تفاصيل القضية يدفعنى إلى مربع آخر من التساؤلات يتعلق بمسألة (عدالة توزيع الثروة فى مصر)، أكثر مما يدخل فى يوميات الخناقة بين الثرى المصرى والثرية السعودية.

الآن يجوز لى أن أبوح بهذا الرأى بعد أن حفظت النيابة البلاغات المقدمة من الكومى ضد العنزى، والآن يحق لى أن أطلق هذه الصرخة المكتومة فى وجدانى، التى تراكمت من بين السطور والكواليس التى تتضمنها ملفات التحقيق.

الرأى الذى أخفيته هنا يتعلق بهذا الحجم من الثروات، والعقارات، والفيلات، والقصور، والمجوهرات، والمشغولات الذهبية، والسيارات الفارهة، التى صارت ضمن الرهانات والصراعات بين الأثرياء فى مصر، أو بين أثرياء مصر ونظرائهم من أثرياء العالم، أنت تسمع هنا أرقاماً بالملايين فى خلافات (عابرة) بين رجل وامرأة، أنت ترى بعينيك محاضر فى أقسام الشرطة، ودوائر النيابات، تخص نزاعات حول عشرات القصور فى الساحل الشمالى، أو عبر كنز من المجوهرات، أنت تقرأ اتهامات تدخل الهوس والفزع على قلوب الناس التى ترى كل هذه الملايين فى حوزة رجل واحد أو حفنة من الرجال، وكل هذه الثروات تنتقل من رجل إلى امرأة فى خلاف عائلى أو نزاع بين صديقين، أو مشكلة صغيرة فى مقهى.

المدهش هنا ليس حجم الأموال فحسب، بل فى البساطة المفرطة التى تتضمنها هذه البلاغات مما يؤكد لك أن هذه الثروات الطائلة محل الصراع ليست إلا جزءا يسيرا من رصيد هذا الرجل أو هذه المرأة، لم نسمع مثلا أن السيد يحيى الكومى أصابته أزمة قلبية بعد أن فقد هذه الملايين، أو أن استثمارات الرجل انهارت فى البورصة بعد أن ضاعت منه ثرواته، بل على العكس من ذلك، بدا كأنه فقد سلسلة مفاتيح فى إشارة مرور، أو كأنه رجل يشكو ضياع عشرة جنيهات من محفظته العامرة.

ليس فى ضميرى أو فى نيتى أو فى عقلى أى تشكيك فى طهارة يد السيد يحيى الكومى، ولا أشك لحظة، بل ليس من حقى الآن هذا الشك، فى كون هذه الأموال قد تجمعت بالعمل الحلال، وأن الرجل اكتسبها من عرق جبينه، ومن عمله وتعبه وسهره ووصله الأيام مع الليالى فى استثماراته الكبيرة، و ليس من حقى أن أسوق اتهاما لرجل لم يثبت عليه يوماً من الناحية القضائية أى إدانة أو فساد، وما أقصده هنا فعلياً لا يخص السيد يحيى الكومى وحده، ولا يخص ثرواته، بارك الله له وبارك عليه بما رزقه.

لكننى أنشغل بما هو أكثر تعقيداً من ذلك، أسئلتى الأساسية هنا تتعلق بآليات اكتساب وإنفاق الثروات فى مصر، وبالطريقة التى يتعامل بها أثرياء هذا البلد مع ما يملكونه من أموال، المسألة لا تتعلق بكيف يتم جنى هذه الملايين فحسب، بل فى طريقة تكديسها وتخزينها وتسقيعها وإنفاقها فيما بعد، المسألة أبعد من يحيى الكومى وحده، لأن النماذج مع الاختلافات فى التفاصيل مكررة فى قضايا متعددة، ففى قضية سوزان تميم مثلا، كان هشام طلعت مصطفى مثل (طاقة ليلة القدر) التى انفتحت أمام عينى امرأة، لم تكن تحلم بأن تتحول من مطربة محدودة الانتشار إلى مليونيرة بين عشية وضحاها، المسألة هنا أن هذا الفائض الهائل من الثروات يتم إنفاقه فى غير محله، أو يضيع فى غمضة عين، وكأن شيئا لم يكن، أو كأنها خسارة عابرة لا تساوى شيئا فى تلال الأموال المكدسة بلا حساب.

يدهشك أن تسمع عن صفقات بيع الفيلات والقصور فى الساحل الشمالى، أو عن رجال الأعمال الذين وضعوا أيديهم على أراضى الدولة، ثم وفقوا أوضاعهم مع الأجهزة التنفيذية، لتجرى المليارات بين أيديهم فى غمضة عين، المشكلة هنا، فى هذه الطريقة التى يحصل بها هؤلاء على الأموال السهلة، وعلى الثراء السريع، وعلى الصفقات التى تجرى فى ساعات، فتتراكم من خلالها كنوز الأرض فى حسابات أشخاص بعينهم بسرعة وبلا عناء أو تعب، أو حتى تخطيط استراتيجى، أو إضافة اقتصادية لمصلحة البلد.

هؤلاء لا يعنيهم إن كانوا قد فقدوا عدة قصور فى قضية نصب، أو ضاعت منهم حقائب مجوهرات فى واقعة سرقة، أو خسروا عدة ملايين فى صفقة أراض فاشلة، أو اشتروا يختا أو طائرة خاصة بأسعار مبالغ فيها، لقد عبر هؤلاء حاجز الخوف على المال، لأنهم راكموه فى أزمنة قياسية بأوضاع مختلة فى البناء الاقتصادى المصرى، صحيح أن كلا منهم يستطيع أن يبرهن بالمستندات على صحة موقفه القانونى وعلى نزاهة أمواله، وسوف نصدقه طبعاً، لأن العيب ليس فيه، بل فى الآليات التى سمحت بهذا العبث فى توزيع الثروة فى مصر، وبهذا الإسفاف فى تكديس الملايين السهلة على هذا النحو، وإنفاقها بإسفاف بهذه الصور المدهشة التى تصدمنا آناء الليل وأطراف النهار.

إن جئت للقانون فستكون الأموال نظيفة والأيدى طاهرة، أما إن جئت للمنطق والحق خارج سياق البناء القانونى، فإن بيئة الثروات فى مصر مختلة.. ومؤسفة.. وفاسدة.. وليس فيها شىء من رائحة العدالة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة