لم أصدق ما رواه لى أحد مشايخ سيناء، حول ما تشهده مناطقهم هذه الأيام، من تنامى لظاهرة قطاع الطرق وعصابات السطو المسلح.. هذه الظاهرة الجديدة على أرض الفيروز، وربما على مصر أيضا، وضعت دور أجهزة الأمن فى هذه المنطقة الحيوية على المحك.
سيناء كانت تشتهر بأنها موطن الشهامة والبطولة وانتشار الأمن بين ربوعها على مر العصور حتى فى عهد الاحتلال الإسرائيلى، وذلك لما تفرضه الأعراف والتقاليد القبلية السائدة منذ القدم ويتوارثها الأبناء عن الأجداد جيل بعد جيل، فهم يحرصون على احترامها والالتزام بها فيما بينهم.
بمرارة صدمنى الشيخ بعد أن أبلغنى بتفكيره الجدى فى الرحيل عن أرض أجداده، إلى مكان أكثر أمانا يقضى فيه بقية حياته وسط أبنائه وأحفاده، بعد أن ضاق ذرعا بتلك السلوكيات الدخيلة والخروج السافر والدائم عن كل الأعراف التى تعايشوا فى ظلها عبر السنين.. الشيخ السيناوى قال إن أى عابر سبيل لأرض الأنبياء يمكن أن يفاجأ بشاب مسلح يخرج عليه من وسط الرمال يروعه ويهدده ويستولى على سيارته، بعد أن يجرده من كل ما معه من متعلقات.. حادث السطو المسلح على السيارات، مسلسل يتكرر بشكل دائم، واللافت أنها تتم تحت مرأى ومسمع أجهزة الأمن التى تقف مكتوفة الأيدى وعاجزة عن التصدى لهذه الظاهرة أو حتى مجرد القبض على مرتكبيها.
الأهالى بشمال ووسط سيناء اعتادوا على مثل هذه الحوادث التى ترتفع معدلاتها تدريجيا بصورة مفزعة فى الفترة الأخيرة.
الحادثة الأكثر إجراما، هى واقعة نهب ونزع قطبان السكة الحديد التى تربط سيناء بالدلتا من ناحية الإسماعيلية، حيث تم سرقة مئات الأطنان من القطبان الحديدية على أيدى تشكيلات عصابية مسلحة فى وضح النهار مستخدمين معدات نشر وقطع كهربائية، ومن ثم نقل هذه القطبان المسروقة إلى المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة، وبيعها لحساب أصحاب أنفاق التهريب السرية الممتدة بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.
حسب رواية الشيخ فإن هذه العصابات لديها ترسانة من أحدث أنواع السلاح، الذى يحصلون عليه من مصادر متنوعة أغلبه يأتى من خارج الحدود، وتستخدمه هذه العصابات فى ممارسة نشاطها الإجرامى، فى بعض المناطق الجبلية الوعرة بوسط سيناء، حيث يعيشون على زراعة وتهريب المخدرات والبشر من وإلى إسرائيل.. هؤلاء الخارجون على القانون لا يعترفون بالحكومة ولا يلتزمون سوى بقواعد اتفقوا عليها لتنظيم العلاقة بينهم وبين زعيمهم.
المدهش أن أجهزة الأمن فى سيناء ترصد تحركاتهم، ولديها معلومات دقيقة عن نوعية السلاح الموجود بحوزتهم.. لكنها تخشى فى الوقت نفسه مواجهتهم ووقف أنشطتهم التخريبية.. فلا أحد مستعد لدفع الثمن والموت فداء لأمن سيناء المفقود.
صدق أو لا تصدق أحيانا يصل الأمر إلى حد دعوة زعماء هذه العصابات فى بعض المناسبات الرسمية.. المفارقة أن هؤلاء المجرمين يجلسون بجانب بعض القيادات الأمنية، كما حدث مؤخرا عندما طلبت قيادة أمنية من أحد شيوخ القبائل التوسط لإقناع زعيم أخطر تلك العصابات للمشاركة فى حفل نظمه هذا المسئول الأمنى خصيصا للتعرف عليه، وطلب مساعدته فى بعض الملفات.. المثير أن الوساطة تمت والمقابلة حدثت بالفعل، وبعدها جرى وداع لزعيم العصابة إلى سيارته المصفحة التى نقلته بسرعة البرق إلى وكره الآمن فى قلب سيناء.. زعيم العصابة المقصود صدر بحقه عشرات الأحكام فى قضايا حيازة سلاح وزراعة واتجار فى المخدرات الأفارقة إلى إسرائيل.
أعود إلى حديث الشيخ السيناوى المؤثر عن رغبته فى الرحيل عن موطنه الذى طالما عاش وحلم وناضل وضحى من أجله، فمازال يتذكر لحظات هروبه تحت جنح الليل فى أعقاب نكسة 1967.. يومها أبى هو وأقاربه أن يعيشوا تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلى ولو ليوم واحد، مهما كانت المخاطر التى تهدد حياتهم، حينها ساروا فى قوافل وسط الرمال والبرك حتى تورمت أقدامهم إلى أن وصلوا إلى بورسعيد، كما لن ينسى الشيخ أبدا سعادته الغامرة بنبأ انتصارات أكتوبر المجيدة وفرحته بالعودة بعد طول انتظار.. اليوم يعز عليه أن يفكر فى الرحيل من جديد، فإذا كان هروبه فى المرة الأولى كان رفضا للعيش تحت سيطرة الاحتلال الصهيونى فإن تفكيره فى الرحيل هذه المرة سيكون هربا من إرهاب أفراد تلك العصابات وخطر قطاع الطرق الذين يحكمون سيناء حاليا بحد السيف دون رادع وشتان بين الحالتين.. فرغم تحرير هذه البقعة الغالية قبل عقود من أغلال المحتل اللعين إلا أن الخطر مازال يحدق بها من كل الاتجاهات!!
* رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة