لن تجد فى هذا الكون إنسانا واحدا سويا بإمكانه أن يتحمل نظرة حزينة لطفل صغير بعدما أفسد أحدهم فرحة العيد عليه، كما أنه ليس هناك شخص يحمل بداخله قلبا ينبض لن يتأثر بكم المرارة التى تقف فى حلوق أناس سرقت البسمة من فوق شفاههم فى لحظة غدر مع أول ضوء ليوم العيد الذى ينتظرونه منذ عام كامل، هذا ما حدث فعلا مع أقباط نجع حمادى.
جميعنا يعلم أن العيد مناسبة خاصة للفرحة والتصالح مع النفس والآخرين، فكلنا يسمو فوق خلافات من أجل جملة واحدة "كل سنة وأنت طيب"، ونسعى لأن يكون العيد بداية جديدة تمحو ما قبلها، كما يمحو مشرط الجراح موضع الألم، لكن هناك أناس تخصصوا بزرع الألم فى جسد الفرحة البكر، يستمتعون بخلط قطرات صبح العيد الندية بدموع الثكالى، هؤلاء نزهت الرحمة من قلوبهم قبل أن يولدوا، وزادتهم الحياة عصيانا وفجورا.
الضحايا هنا ليسوا مسيحيين فقط، إنما الضحية هنا هى قلب الوطن النابض، فالمصريون بعد الآن سينتظرون كل مصيبة صبيحة يوم العيد سيتطلعون بخوف، لهؤلاء القاسية قلوبهم من مفسدى فرحتهم والذين يبحثون عن أسباب جيدة للنكد، إذا استمر هذا النهج فإن نجع حمادى لن تكون الأخيرة، وشرم الشيخ أيضا ليست بعيدة، اليوم أطلقوا النار على الكنيسة، وغدا سيستهدفون المساجد، ربما بعد غد يقتحمون المنازل، إنهم أناس تخصصوا فى قتل الفرحة، وتلذذوا بذبح براءة أطفالنا الصغار.
علينا أن تنتظر سنوات أخرى ليكبر هذا الطفل الذى سرقوا منه دميته التى يحبها، وتنقلب نظرة الحزن فى عينيه إلى كراهية تدمر الأخضر واليابس، حينها لن يميز بين هلا ل وصليب، هو فقط يريد أن يفسد فرحة الجميع ليعوض تلك التى سرقت منه، فى وقت الحصاد هذا لن يكون الحديث عن الفتن الطائفية أمرا مستساغا، أو التلميح إلى الاضطهاد مناسبا، سيكون العنف والتعصب الأعمى هو لغة الحوار الوحيدة، ستكون كؤوس الدم هى القربان الذى يقدمه المخابيل لآلهة التطرف فى صحة هذا الوطن، ليس مهما الآن أن نعرف من الذى فتح النيران على أقباط نجع حمادى، الأكثر أهمية هو أن نعرف من زرع فى رأسه هذه الفكرة الشيطانية فى عقله، ومن الذى أسقاه كل هذا الكم من الخسة والقسوة، قبل أن نستيقظ يوما لنجد أبنائنا وأحفادنا خناجر وسكاكين وقنابل تمشى على الأرض، فقلوبنا لن تتحمل هذا.