من جديد يستيقظ المصريون على محاولة أخرى لبث الفتنة الطائفية، والشاهد على ذلك ما حدث مساء الأربعاء ( ليلة أعياد الميلاد) فى مطرانية نجع حمادى بمحافظة قنا، والذى أسفر عن قتلى وجرحى، وليس المهم من تكبد خسائر أكثر من الجانبين، وإنما الحدث كله يبعث على الأسى والخوف والترقب من المجهول الذى ينتظر مصر فى أهم قضاياها على الإطلاق، وهى قضية عيش المسلمين والأقباط على أرض واحدة، هى أرض مصر، ولا فكاك من مصيرهم المشترك.
وزارة الداخلية قالت إن مسجل خطر وراء ما حدث فى نجع حمادى، وإن المؤشرات الأولية ترتبط بتداعيات اتهام شاب مسيحى باغتصاب فتاة مسلمة بقرية فرشوط.
لكن الوقوف عند قراءة الحدث بهذا التوصيف الأمنى هو اختصار مخل، خاصة وأنه لا يمكن الجزم بعدم تكرار حوادث من قبيل اغتصاب شاب مسلم لفتاة مسيحية، أو اغتصاب شاب مسيحى لفتاة مسلمة، فلم يعد هناك ما يمنع ذلك فى ظل الانفلات القيمى الذى نعيش فيه، ويكتوى بناره المسلمون والمسيحيون على حد سواء.
ما حدث فى نجع حمادى، والمتوقع أن يحدث مثله فى أى مكان آخر فى مصر هو مرآة طبيعية لواقع سياسى مأزوم، لا يوجد فيه أى متنفس لإصلاح سياسى مأمول، إصلاح سياسى يتأكد فيه المسيحى قبل المسلم أن الحكومة التى لا تحافظ على أمنه هناك من يحاسبها بالدرجة التى إن استوجب إقالتها يتم ذلك بالفعل..
إصلاح سياسى يتأكد فيه المسلم والمسيحى أن صوته فى أى انتخابات ديمقراطية يذهب لمن يستحق بالفعل، إصلاح سياسى يؤكد إمكانية تداول السلطة بشفافية كاملة، ويؤكد أن المساواة بين المسلمين والمسيحيين تتم وفقا لمعيار الكفاءة والإخلاص للوطن، فقدر مصر أن فيها مسيحيين ومسلمين منذ أن عرفت أرضها وعرف أهلها الديانات السماوية..إصلاح سياسى يقوم على توزيع عادل للثروة، وتشغيل ملايين العاطلين من الجانبين بدلا من تركهم لأفكار التطرف التى تغزوهم بفعل الفراغ والفقر والشعور الدائم بأن مصر ليست مصرهم، وإنما هى بلد لأقلية تكتنز المال والسلطة فى مقابل أغلبية مقهورة ومحرومة.
يرتكن المسلم إلى دينه بحثا عن الجنة فى آخرته، طالما لا تحقق الحكومة جنة الأرض له، ويؤدى هذا الارتكان إلى فهم سطحى للدين يبعث على التشدد الذى يرى فيه المسلم أن القصاص من المسيحى واجب دينى، ويرتكن المسيحى إلى دينه وكنيسته بحثا عن ملاذ آمن، لأن لديه شعورا مغلوطا عن اضطهاده يتزايد يوما بعد يوم، ودفعه هذا الشعور إلى مد البصر خارج الحدود بحثا عن الحماية، وهو الأمر الذى يدفع إلى تدخلات مشبوهة تسحب من رصيد المسيحيين ولا تضيف إليهم.
وبين الحالتين تبقى مسئولية الحكومة فى اختصارها لكل ما يحدث بين المسلمين والمسيحيين على أنه حوادث جنائية، فالأصل وكما قلنا إنها انعكاس لأوضاع سياسية مختلة آن الآوان لإصلاحها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة