ما جرى ليلة الخميس الدامى فى نجع حمادى بعد قداس عيد الميلاد المجيد، جريمة إرهابية. مسلحون هاجموا المصلين الأبرياء أثناء خروجهم من كنيسة العذراء، وأمطروهم بالرصاص من بنادق آلية، جريمة يفترض أن تثير الغضب، ونظن أن عموم المصريين مسلمين ومسيحيين شعروا بالحزن، والعار من وقوع هذه الجريمة ضد شباب أبرياء مسالمين أعمارهم بين 17 – 30 سنة. لاشك أن رحيلهم يحرق قلوب أمهاتهم وآبائهم. تماما مثلما قتل الغل والتعصب الشهيد أحمد شعبان على الحدود بين رفح المصرية والفلسطينية برصاص قناص فى غزة حمل أحمد مسئولية خلافات سياسية، هو برىء منها. .كان الغل المتعصب القائم على سوء الفهم هو المسئول.
ولايكفى الاعتذار إلى إخواننا المسيحيين عن تصرفات إرهابية، تتجاوز التعصب إلى التآمر، بل يجب البحث عن أطراف وراء التصعيد والتحريض، وليس الجناة فقط هم من ضغطوا على الزناد لكن وراءهم من شحن وخطط وزين لهم أن يقتلوا الأبرياء. ولايكفى الكلام الدبلوماسى من شيخ الأزهر ووزير الأوقاف أو من البابا شنودة. بل يجب أن يكون هناك قانون واحد يقتص من الجناة. ولايمكن لقوات الأمن المركزى التى تحاصر نجع حمادى أن تمنع النيران مالم يتم القبض على الجناة وعقابهم.
قنا محافظة لها طابعها الخاص فيها أماكن تكاد تكون مقسومة بين المسلمين والأقباط، والفرق العددى ليس كبيرا، وهناك مصالح متداخلة بين كل الأطراف فى الحقول والمحلات والشركات والأعمال والمصانع. وقد قال الأنبا كيرلس، أسقف إبراشية نجع حمادى، تعليقا على أحداث فرشوط وتدمير محلات الأقباط : "مصالحنا متداخلة، أنا عندى أرض زراعية وشريكى مسلم، وكنت حريصا على أن أحافظ على الود ، حاولت الم الموضوع". وقال إن الشاب الذى اعتدى على الطفلة قبض عليه وحبس.
لم يكن الاعتداء على محلات ومصالح المسيحيين مبررا، ولا نعرف لماذ يتصور بعض المسلمين أنهم فوق القانون وأن من حقهم ممارسة الإرهاب باسم الثأر. فقد تم حرق الجمعية القبطية، والمحلات، وضربوا بعض الأقباط وأصابوهم، بل إن الأنبا كيرلس قال إنه أبلغ المسئولين عن مخاوفه من تكرار الاعتداءات، أى أن الأمن كان يجب أن يتواجد بكثافة أمام الكنيسة قبل الحادث وليس بعده كما حدث، خاصة بعد أحداث فرشوط. لكن واضح أن الأمن ربما لم يأخذ التهديدات بجدية، والأطراف المختلفة التى تدخلت فى الأحداث بعد فرشوط وقبلها هى نفس الأطراف العرفية والأمنية التى اعتادت احتكار الأمر، وفشلت فيه لأنها اعتمدت على العرف ولم تستند إلى القانون. فى قنا هناك احتقان من أيام الكشح ثم فرشوط ولم ينتبه أى من الأطراف إلى هذا وإذا كان أمين شرطة أو جندى مسلم سقط من حراسة الكنيسة فهذا يعنى أن المهاجمين كانوا يعلمون بضعف الحراسة. وهو تقصير واضح. ولعل هذا هو ما أثار أهالى الضحايا الذين تظاهروا ضد الأمن لأنه جاء بعد فوات الأوان.
ومن الطبيعى أن يشعر إخوتنا الأقباط بالغضب والحزن، وليعلموا أن أغلبية المصريين يشعرون بالحزن بل وبالعار من هذا الإرهاب، ويجب أن نعذرهم، ونطلب منهم فقط ضبط النفس والعلم بأن من يفعلون ذلك متعصبون، وأن الإسلام برىء من هؤلاء القتلة الإرهابيين، والعقائد والأديان جميعها نزلت من أجل سلام العالم وخلاصه، بينما المتعصبون يعميهم تعصبهم ويغلق قلوبهم، ولا يمكن لأى عقيدة فى الأرض أن تسمح بإراقة دماء الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولم يرتكب أى منهم خطأ أو جناية. لكن أيضا فإن ترك الأمور بهذا الشكل من شأنه أن يفتح الباب لنيران تحرق الجميع، خاصة الأبرياء ويفترض أن يتم اتخاذ كل الإجراءات لعقاب مرتكبى هذه المذبحة، لكن لا نعرف كيف يمكن أن يتم انتزاع الغل الطائفى.
لقد وقعت المذبحة ليلة عيد ميلاد المسيح ، وهو توقيت يكشف عن وجود نية مبيتة لإغلاق أفراح المسيحيين بعيدهم. لقد أعمى الغل قلوب الإرهابيين الذين اعتدوا على المسيحيين يوم عيدهم وأمام كنيستهم ، حتى لو ادعى بعض المتعصبين أن الأمر تداع لاعتداء شاب مسيحى على فتاة مسلمة. فقد تم القبض على الفاعل، وهو رهن التحقيق ويفترض حال إدانته أن يأخذ جزاءه العادل.
وأنا من كثيرين يعتقدون أن السبب يرجع إلى شيوع حالة فقدان الأمل لدى قطاعات مختلفة وأن التطرف الذى يسكن بعض القلوب ومعه سوء الفهم، فالمسلمون والأقباط يعانون من الفقر والبطالة وتدنى الأحوال، وبالتالى فإنهم يشتركون فى معاناة يومية يفترض أن توحدهم، بدلا من أن تفرقهم، لكن ما يجرى أن سوء الأحوال يدفع البعض لتفريغ غله وحزنه وغضبه فى أخيه من الديانة الأخرى اعتقادا أنه ينافسه، ولا نعرف لماذا لا يترك الناس العقائد لله ويتفرغوا لأن يكون الوطن للجميع... ولا يمكن تبرئة بعض الكبار من الطرفين الذين يشغل كل منهم نفسه بتسفيه دين الآخرين ولا يتفرغ لعقيدته ومشاكل أهل دينه. ولا يحاول مواجهة الظلم والفقر والتعصب.
وقد يلوم البعض أقباط المهجر وهم يطلقون بياناتهم ويبالغوا احيانا فى تصوير الاضطاد، لكن فى هذه المرة لا يوجد أحد يمكنه أن يعتبرهم مبالغين وهو يرى إخوته يسقطون فى حادث إرهابى. ويبقى العرف هو المسئول بينما يفترض أن يطبق القانون على الجميع بشكل واضح لكن هذا لايحدث بل والفقراء أحيانا يتعرضون للظلم لمجرد أنهم فقراء وليس بسبب الدين. والأقباط والمسلمون أدانوا اغتصاب الطفلة وعليهم إدانة الحادث الإرهابى الذى وقع ليلة احتفال الأقباط بعيدهم.
وعلينا أن نتقدم بالعزاء إلى أمهات وآباء وآسر، وأيمن ،وبولا ،وأبانوب ، وبيشوى ، ورفيق وباقى الأبرياء الذين سقطوا شهداء للغل والإرهاب. وأيضا إلى أسرة أحمد شعبان المجند الذى ليس صدفة أنه ينتمى إلى أسرة فقيرة من الصعيد ضحية قناص اندفع بتحميس وشحن ليقتل فرحته ويحرق قلب أمه ويذهب ضحية للتعصب. الذى لا يفرق بين مسلم ومسيحى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة