ليس بالأمن وحده يحيا الناس فى نجع حمادى، فحادث إطلاق النار الأخير تسبقه وتتلوه علامة استفهام كبيرة عن دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى فى العمل العام فى صعيد مصر، هل يقتصر دور الأحزاب السياسية على المطالبة بتعديل الدستور فقط؟ هل يقتصر دورها على حشد الناس عبر الصحف حول انتخابات الرئاسة عملا بالشعار القديم لا صوت يعلو فوق صوت المعركة؟ وهل أصبحت حدود القاهرة الكبرى هى خريطة عمل الأحزاب التى تدير معاركها غالباً على صفحات الجرائد وفى عزلة عما يجرى فى القاهرة، وسواها من المحافظات!
ما حدث فى نجع حمادى يكشف إلى أن حد تقاعست النخب السياسية عن ممارسة دورها بين الناس، بما فى ذلك الحزب الوطنى الأكثر قدرة وحرية ومسئولية يحكم ما يملك من فرص للعمل لا يستغلها.. حادث يدل على قدر كبير من الكراهية والعنف والفقر معاً.. وهذا الثالوث فى تصورى هو التحدى الأول لعمل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى فى المجتمعات المتأخرة، كيف يمكن تكريس ثقافة الحوار بدلاً من العنف، قبول الأخر بدلاً من الكراهية والنفى المعنوى الذى سرعان ما يتحول إلى تمييز ثم إلى نفى مادى.. واغتيال كلما سمحت الفرصة أو الظروف، وكيف يمكن توجيه الطاقات إلى ما يبنى لا إلى ما يهدم كيف يمكن عبر جهود بناء الوعى والتمكين والتوعية بالحقوق والمطالبة بها أن نتلافى ضغطة الإصبع الفقير على زناد البندقية تجاه الآخرين الأبرياء.
الفراغات بين هذه الأسئلة وإجاباتها هى مناط عمل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى، والطريف والمحزن أن لدينا فى مصر 24 حزباً سياسياً وأكثر من 16 ألف جمعية أهلية والعديد من النقابات، وكلها بعد حادث نجع حمادى تشير إلى خانة واحدة.. الصفر الذى يذكرنا بالفشل فى مناسبات سابقة لأننا لم نستعد بالقدر الكافى أو لأننا لم نهتم بدورنا وواجبنا، وافترضنا أننا قادرون باستمرار على المضى فى كذبة أن الأمور تمشى لا الأمور تتراجع، وإذا لم نملأ الفراغ الذى يجب علينا ملؤه بالوعى والمشاركة وقبول الآخر والعمل من أجل المستقبل، سيأتى من يملؤه بالهلاوس والكراهية والعنف والرصاص الذى يتقل الأبرياء.
أطالب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى إلى الاعتراف بتقصيرها ومسئوليتها جزئياً عما حدث فى نجع حمادى، كما أدعوها إلى التفكير عن تقصيرها بتكثيف عملها فى نجع حمادى وقنا وأسيوط والمنيا وسائر مدن ومحافظات الصعيد، وليس استعداداً للانتخابات المقبلة، بل مشاركة واجبة فى إعادة تأهيل البشر المنسبين هناك بدلاً من إطلاق صيحات الشجب والاستنكار والإدانة من القاهرة الكبرى.