للدكتور جلال أمين المفكر وعالم الاقتصاد المعروف كتاب أساسى بعنوان "تحديث الفقر" يتناول عملية التطور الاقتصادى فى تسع دول عربية خلال الفترة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1970، وفيه انتهى إلى أن التطور الاقتصادى خلال الفترة المشار إليها، لم يكن التنمية المطلوبة، ولا الإصلاح المنشود، بل مجرد تحديث الواجهة التى يختفى وراءها الفقر والجهل والمرض.
إذا كان ذلك هو تشخيص الدكتور جلال أمين للفترة التى شهدت برامج تنموية ملموسة، فماذا يكون توصيفه للأربعة عقود التالية من 1970 وحتى 2010؟ يقول الدكتور جلال أمين فى كتابه "التنوير الزائف" إن البلاد العربية وفى القلب منها مصر نجحت فى إقامة واجهة خلابة من مظاهر المدنية الحديثة، أكثر بريقا ولمعانا من أية واجهة سابقة، ولكن لم تنجح أى دولة منها فى تحقيق أكثر من قدر بسيط من الإصلاح الحقيقى والتنمية الواعدة.
بحسب الدكتور جلال أمين، تدفقت المعونات الأجنبية على مصر بصورة تفوق كثيرا عقدى الخمسينيات والستينيات، ولكن ذهب جزء كبير من هذه المعونات إلى دعم البيروقراطية الحكومية وتمويل أنواع من المرافق العامة كانت تخدم الاستهلاك أكثر مما تخدم النشاط الإنتاجى لتجديد شبكة الاتصالات أو الأنفاق، أو ترميم شبكات الصرف الصحى أو مضاعفة إنتاج الكهرباء التى استخدمت فى تشغيل أجهزة التلفزيون والتكييف أكثر مما استخدمت فى تشغيل آلات المصانع.
تدفقات تحويلات العاملين فى الخارج، بدورها، لم تخضع لتدخل رشيد من الدولة لتوجيهها توجيهاً إنتاجياً لخلق فرص عمل جديدة، وتسرب الجزء الأكبر منها فى صورة إنفاق استهلاكى على الواردات فخلقت مظاهر خادعة من الرخاء والرفاهية، سرعان ما انتهت بعد تراجع فرص العمل بمنطقة الخليج.
يتساءل الدكتور جلال أمين حول الاستثمار الأجنبى الذى تحول إلى عجل مقدس نعبده بصرف النظر عن استفادتنا الحقيقية من بعض هذه الاستثمارات التى أدت إلى انخفاض مستوى الأجور للجزء الأكبر من القوة العاملة، وتسببت فى ارتفاع نسبة البطالة، دون أن نسأل أنفسنا، هل تخضع هذه الاستثمارات كما فى حالة الدول الناجحة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا للتوجيه والمراقبة؟ هل عملت على توطين التكنولوجيا الحديثة عندنا؟ هل ساعدت على اكتساب قطاعات العمالة عندنا للمهارات المطلوبة؟ وهل ترافق تدفق الاستثمارات مع التخطيط لإصلاح التعليم للوفاء بمتطلبات الشركات الأجنبية؟
يجيب الدكتور جلال أمين بالنفى على الأسئلة السابقة، وينتهى إلى نتيجة تعارض كل ما أعلنه الدكتور نظيف رئيس الحكومة أمام مؤتمر "اليورومنى" من تنفيذ برنامج كامل للإصلاح، فالنتيجة كما تكشفها أحوال الأغلبية الفقيرة ونظامنا التعليمى، أننا بصدد حقبة جديدة من عملية تحديث الفقر وتعميقه، مع بناء واجهة براقة من التحديث المزيف.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة