هل تخيل أى منا وقع هذه العبارة على أى أب أو أم، أن تغيب ابنتهم فيطير عقل كل منهم يتخيل أسوأ السيناريوهات التى يمكن أن تحدث لفلذة كبده فيطير النوم من عينيه ولا يهدأ له جفن، وفجأة تظهر الابنة فى فيديو على اليوتيوب تتناقله كل مواقع الإنترنت والمواقع الإخبارية، يراه كل أهلها وجيرانها وزملاؤها وأصدقاء والدها ووالدتها وأخوتها، تصبح الابنة فى لحظة حديث كل الناس، بينما تظهر هى على الفيديو تتحدث ببراءة الأطفال فتعرف نفسها باسمها الثلاثى والمحافظة والمدينة التى تنتمى إليها، وتوجه حديثها لأسرتها قائلة، "عفوا والدى ووالدتى وإخوتى الأعزاء لقد غيرت دينى وعرفت طريق الحق" وتبدأ فى نصح أسرتها وأهلها باعتناق الدين الجديد الذى اعتنقته - سواء الإسلام أو المسيحية- مؤكدة أن ما كانت عليه كان ضلالا وأنها تخاف على أسرتها وأهلها من الاستمرار فى هذا الضلال.
تنادى إخوتها كل باسمه، تدعو كل منهم للتفكر والتدبر لكى يصل إلى طريق الحق الذى اهتدت هى إليه، تحاول أن تطمئن أهلها مؤكدة أنها تعيش فى مكان آمن ومع أشخاص أمناء عليها، يستمع الأب والأم والأشقاء لهذه الكلمات ويكاد قلب كل منهم يتوقف ولا يصدق عينيه وأذنه من هول الصدمة، يفقد كل منهم عقله ويشعر بالعار والفضيحة بعد أن رأى كل الأهل والجيران والأصدقاء هذا الفيديو وتناقلته وسائل الإعلام ومختلف المواقع، ورغم أن الفتاة تحاول أن تنتقى الكلمات التى تستدر بها عطف أفراد أسرتها وأن تبدو حريصة على استرضائهم وطمأنتهم إلا أن نيران الغضب والاستفزاز تشتعل فى نفوس كل عائلتها، فخبر تغيير أى من الأبناء دينه واعتناقه لدين آخر ليس بالأمر السهل أو البسيط، خاصة فى مجتمعاتنا إضافة إلى ما يسببه إذاعة هذا الفيديو للفتاة ومشاهدتها وهى تعلن اعتناقها دينا جديدا من استفزاز لأسرتها وإحساس بالعار والحرج والفضيحة أمام العائلة والأقارب والأصدقاء الذين يستفزهم هم أيضا إذاعة ونشر هذا الفيديو على نطاق واسع وأن تصبح ابنتهم حديث الناس فيزيد احتقانهم وغضبهم ويعلنون عن هذا الغضب فى مظاهرات يطالبون فيها بعودة ابنتهم، ويؤكدون أنه تم اختطافها والتغرير بها، وقد يذهبون لكل من كان لهم صلة بها من أصدقائها وزملائها الذين تتشكك الأسرة فى أن لهم دورا فيما حدث لابنتهم وقد يتطور الأمر بمحاولات قتل واعتداء.
دار كل هذا فى ذهنى وأنا أشاهد بعض هذه الفيديوهات وأسأل نفسى، ألم تجد هؤلاء الفتيات وسيلة أخرى لإبلاغ أسرهن بأنهن اعتنقن دينا جديدا وأنهن يعشن فى أمان؟ وهل حقا الهدف من إذاعة ونشر هذه الفيديوهات هو طمأنة الأسر؟، ألم يكن مجرد خطاب بخط يد أى منهن وكلهن متعلمات كفيل بأداء هذه المهمة دون أن يتم استفزاز الأسر بنشر هذه الفيديوهات على أوسع نطاق وبما تعتبره عائلات الفتيات فضيحة وعارا أمام الناس، ودون أن تصبح هؤلاء الفتيات مثارا للحديث والجدل والقيل والقال وسببا لمزيد من الاحتقان الطائفى وإشعال نيران الفتنة؟
تساءلت من له المصلحة فى تصوير هؤلاء الفتيات وبث هذه الفيديوهات على هذا النطاق الواسع وما هدفه من ذلك؟ وهل هو بالسذاجة التى يعتقد بها أن الأب والأم والأشقاء وأفراد عائلة الفتاة الملهوفين على ابنتهم الغائبة سوف تدمع أعينهم وتفيض من الدمع بعد أن يستمعوا إلى نصائح الفتاة عبر هذا الفيديو ومواعظها لهم باعتناق دينها الجديد ليعلنوا اعتناقهم لهذا الدين بمجرد مشاهدة الفيديو؟
أعتقد أن من هم وراء بث هذه الفيديوهات ونشرها لم يكن أى من الأهداف السابقة فى أذهانهم وهم يبثونها على هذا النطاق الواسع وأنهم يعرفون جيدا حجم الاستفزاز والغضب الذى سيسببه نشر هذه الفيديوهات فى نفوس الطرف الآخر ؟ وأن من يقوم بذلك، سواء طرف مسلم أو مسيحى، يريد فقط أن يعلن للطرف الآخر عن قوته وقدرته على جذب أتباع جدد دون أن يفكر فى تأثير ما يفعله على أهل الفتاة وأقاربها وعلى إثارة مشاعر الطرف الآخر وإشعال نيران الفتنة والغضب التى يمكن أن تحرق الوطن.
حقا لن يخسر الإسلام باعتناق أحد المسلمين للمسيحية ولن تخسر المسيحية باعتناق أحد المسيحيين للإسلام، وأن لكل إنسان حرية اختيار دينه وعقيدته ولكن دون أن يثير مشاعر الطرف الآخر ودون أن يستفزه ويخرج له لسانه معلنا أنه الأقوى والأقدر على جذب أتباع جدد وهو ما يحدث بنشر فيديوهات الأسلمة والتنصير التى أعتقد أن وراءها جماعات وجهات لا تهدف لخدمة دين أو وطن وإنما تهدف فقط للإعلان عن قوتها ووجودها حتى وإن اشتعلت نيران الفتنة والغضب وأحرقت هذا الوطن.
أما إن كانت الفتاة ترغب فى إبلاغ أسرتها بأنها اعتنقت دينا وأنها فى مكان أمن فيكفيها خطاب لوالدها دون أن تصبح نجمة من نجوم هذه الفيديوهات ويكفى والدها ووالدتها وأخوتها تلك العبارة الصادمة فى هذا الخطاب "عفوا والدى ووالدتى وإخوتى الأعزاء.. لقد غيرت دينى".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة