مازال الحديث يدور ويتردد فى أروقة الحكومة والحزب الوطنى عن الطاقة النووية وتجديد المشروع النووى المصرى، والذى تم الإعلان عنه من عام 2006، وظل الكلام والجدل مستمرا، يومها تحول إلى حالة إعلانية أكثر منها حقيقية.
ومن كثرة الوعود التى لم تنفذ، استقبل المصريون الأمر كسابقيه، بمزيج من الشك وعدم الاهتمام. كأنه يدور فى مكان آخر وبلد آخر. ومن يومها ظل الجدل قائما ذهبنا إلى الضبعة، وتم إجراء الأبحاث والاختبارات، مع العلم أن الضبعة كانت المكان الذى جرت حوله الأبحاث من الستينيات، لكن التكرار يعلم الشطار، وما أن انتهت الأبحاث إلى صلاحية الضبعة، حتى ظهر عدد من رجال الأعمال ليعلنوا أن إقامة مشروع نووى فى الضبعة يهدد استثمارات سياحية وصناعية وعقارية. وبعد أخذ ورد عاد الحديث عن الضبعة كمكان للمشروع، وبدا أن المجرفين أهم من النوويين.
من كثرة الجدل فقد الناس حماسهم، من شعورهم بأن ما يجرى من جدل يدور بعيدا عنهم ويخرجهم من أى معادلة إعلانية أو سياسية.
مؤخراً أعلنت وزارة الكهرباء عن البدء فى مرحلة أخرى لإقامة محطة الكهرباء فى الضبعة، خاصة وأن مصر تقف على أعتاب نقص فى الكهرباء تجلى فى الانقطاعات المستمرة خلال الصيف، وتقارير سابقة أعلنت أن أى توسع فى الاستثمارات يحتاج إلى توسع فى إنتاج الطاقة، والنووى هو الأرخص.
وأياً كان مصير مشروع المحطة النووية فى الضبعة، فإن الطاقة النووية جزء من منظومة علمية وتعليمية، وما يجرى فى التعليم والبحث العلمى لا يبشر بجدية الإعلان عن الطاقة النووية. فأحوال التعليم من الابتدائى إلى الجامعى لا تحتاج إلى شرح، ومازلنا فى مرحلة الجدل حول الكتاب الخارجى، وتطوير المناهج، وكادر المعلمين.
أما أحوال البحث العلمى والمؤسسات البحثية، فقد تم تجريفها، وأصابها ما أصاب باقى مؤسسات المجتمع. وإذا كنا نرى الحكومة عاجزة عن منع تصادم القطارات، أو رفع المخلفات من الشوارع وحل معضلة القمامة فى القاهرة والأقاليم، يصعب التفاؤل بالقدرة على إنجاح المشروع النووى، وتخصيب اليورانيوم وإنتاج الماء الثقيل. ولا تزال الأحاديث عن ضعف وتدنى رواتب علماء الطاقة النووية متواترة ومستمرة.
وبمناسبة الماء الثقيل الذى هو يشبه الماء العادى فى التركيب ويختلف فى الخواص، ويستخدم فى تبريد المفاعلات النووية، فهذا يذكرنا تلوث المياه فى مصر التى أصبحت أمراً بديهياً، المصريون يشربون مياهاً ملوثة فيما يقرب من ثلاثة أرباع البلاد، مع اختلاف الدرجات. مصر التى عرفت دائما بأنها "هبة النيل"، حكومتها عاجزة عن تقديم كوب ماء نظيف للمواطن. وتنقية المياه مهمة علمية بسيطة، خاصة مع التقدم الجارى فى العالم، وتطور سبل وطرق تنقية وتحلية المياه. لدرجة أصبحت معها عملية تحلية مياه البحر المالحة أمرا ميسوراً وبتكلفة منخفضة. بينما نحن فى مصر لا نتحدث عن تحلية مياه البحر، لكن فقط عن منع تمليح وتلويث مياه النيل. عملية بسيطة، لكنها أصبحت صعبة، وهو دليل على الفوضى التى ضربت كل شىء.
وإذا كنا عاجزين عن تنقية مياه الشرب، فهل نأمل فى الحصول على "الماء الثقيل" لتشغيل مفاعلاتننا النووية المزمع العمل فيها؟. الأمر ليس تعجيزا، أو مجرد انتقاد وتشكيك، كما يحاول الحزب الوطنى تصوير آراء المنتقدين، لكنه توصيف لحال جعل العلم فى آخر الصفوف.. ولا يعترف بأن العلماء أهم من العوالم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة