لا خطأ أكبر من "التعميم" ممكن أن يقع فيه الكاتب، ولا خطأ أكبر من رغبة القارئ فى أن يكتب له الكاتب خصيصا دون أن يغضبه أو يصدمه أو يخالفه الرأى ممكن أن يقع فيه القارئ.
نعم يا عزيزى.. الكلام السابق رسالة كتبت خصيصا لقارئ يعرف نفسه كما كتبتها لنفسى أيضا، والحقيقة أن خطأ "التعميم" الذى أسقط فى فخه غالبا نبهتنى إليه امرأة جمعتنى وإياها الزيارة الأخيرة للأراضى الأمريكية.. المرأة هى السيدة الشابة اللطيفة والمثقفة "هيا عنانى" وفخ "التعميم" الذى اكتشتف أننى كنت ضحيته هو وجهة نظرى السلبية جدا فيما يخص المرأة السعودية.
قبل لقائى بـ "هيا عنانى" لم أكن قد التقيت من قبل مع سيدة سعودية وجها لوجه، فقط مجرد لقاءات عابرة مع بعض الفتايات اللاتى يدرسن بالقاهرة أو بعض النساء اللاتى يزرن القاهرة بصحبة معارف أو أقارب يعملون هناك.. أما باقى المعرفة فيعتمد بشكل أساسى على ما كنت أسمعه من حواديت أو على ما كنت أقرأه من كتب وتقارير تنشرها الصحف الأجنبية والمصرية.. وفى كل الأحوال السابقة كانت صورة المرأة السعودية محصورة بين بروازين.
الأول لامرأة خاوية المضمون تعشق السلطة وتتفنن فى إذلال الخدم والحشم، والبرواز الثانى لامرأة خاوية العقل لا علاقة لها بالثقافة أو المعرفة تنفق ببذخ وسفه ولا تعرف فى حياتها شيئا سوى السهرات والحفلات.
وفى كلا الحالتين كان للراحلة هند الفاسى وابنتها سماهر وبعض الأميرات اللاتى تنشر صحف أوروبا قصص بذخهن كل الفضل فى تكوين هذه الصورة التى اعتبرتها صورة عام لنساء المملكة.. وهنا كان الخطأ أو كان فخ "التعميم" الذى سقط فيه ولا أخجل من الاعتراف بهذا السقوط طالما أنه كان عفويا غير متعمد.
"هيا عنانى" تلك الشابة السعودية غيرت الفكرة تماما ورسمت أمامى صورة مغايرة للمرأة السعودية، لأجد أمامى امرأة مثقفة تملك وعيا يحترم ووجهات نظر مبنية على معرفة، ونجحت هذه الشابة فى أن تضع أمامى نموذجا جديدا للمرأة السعودية يثبت خطأ تعميميا فى التعامل معها.
"هيا عنانى" خالفت كل توقعاتى التى بنيتها فى خيالى حينما قرأت اسمها ضمن قائمة الرحلة فى الأراضى الأمريكية، وبدلا من أن أجد تلك الفتاة المستهترة الخالية المضمون الباحثة عن السهرات والشوبنج وجدت امرأة ناضجة تسبقنا إلى الاجتماعات وتبحث عن كل ما هو جديد فيما يخص مجال عملها وهو خدمة المرأة السعودية أو العاملات فى حق البيزنس.
"هيا عنانى" دفعتنى لأن أفتش بين صفحات الإنترنت عن مركز "خديجة بنت خويلد" الذى تعمل به لأجد نفسى أمام مركز نسائى يعمل بجد وليس مجرد ديكور مثل العديد من مراكز المرأة فى مصر.. فخر "هيا عنانى" بمركز السيد خديجة الذى تعمل به ومحاولاتها المستمرة فى شرح حالة الارتباط بين اسم السيدة خديجة زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام كسيدة أعمال ومجتمع ناجح وبين المركز وأهدافها ونشاطه.. هذا الربط العبقرى بين اسم السيدة خديجة وهذا المركز النسائى تكمن عقبريته بالنسبة لى فى أننى لأول مرة أرى استخداما حقيقا لاسم إسلامى وليس مجرد منظرة أو محاولة لاستغلال الإسلام، كما نرى فى الأسماء التى تعلو لافتات المحلات والأسواق.
لم أزر المركز ولكن حماس "هيا عنانى" فى الحديث عن هذا المشروع دفعنى للبحث أكثر وأكثر بين صفحات الإنترنت على نشاطه فوجدت نفسى أمام مركز يخدم آلاف النساء وفى عام واحد يعقد مئات الدورات الخدمية ويقدم آلاف الاستشارات الاقتصادية لجيل جديد من النساء السعوديات اللاتى يرغبن فى الخروج من قمم التقاليد السعودية القديمة.
البحث عن نجاحات مركز السيدة خديجة دفعنى للتعثر بأسماء لنساء سعوديات حققن نجاحات مشرفة على المستوى العالمى مثل لبنى العليان التى اختارتها مجلة فوربس الأمريكية ضمن أقوى 100 امرأة فى العالم، وأقوى سيدة أعمال فى الشرق الأوسط. ومنى صلاح الدين أول سعودية تفوز بجائزة فى مشاريع الإنماء العالمية، حيث حصلت على جائزة الأمم المتحدة عن مشروعها الخاص بتفعيل عمل الجمعيات النسائية فى السعودية، وعايدة العقيل أول باحثة سعودية تحصل على جائزة المركز الأول فى مسابقة العالم المتميز التى تنظمها الجمعية الأوروبية لعلم الوراثة البشرية فى براغ وغيرهن فى قائمة طويلة تضم سعوديات حققن نجاحا رغم كثرة الحواجز المفروضة عليهن فى مجتمع مازالت سياط هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تتحكم فيه.
شكرا لصديقتى "هيا عنانى" لأنها أجبرتنى بأخلاقها وثقافتها واحترامها على الاعتراف بهذا الخطأ، وشكرا لهؤلاء النسوة العاملات بمركز السيدة خديجة بنت خويلد، لأن أعمالهن كانت مصدر فخر لنا حينما تعرضها "هيا عنانى" على الترابيزة أمام الأمريكان.. وكل التقدير للمرأة السعودية ونضالها من أجل الحرية والخروج للنور!