هاج الجميع وماجوا منذ صفقة بيع جريدة الدستور وحتى اللحظة التى أقوم فيها بكتابة هذا المقال.. وقد كتبت ما تم نشره يوم الاثنين الماضى فى إطار تعليق انطباعى على المشهد الصحفى والواقع المصرى وأعود اليوم لا للتعليق وإنما للإشارة التاريخية دون اللجوء للإسقاط وإنما للمقارنة، وليعلم القارئ أننى لست متفقا أو مختلفا مع إبراهيم عيسى أو أنصاره وإنما أبحث فى حرية إبداء الرأى وتداول المعلومات.
من هنا ثار عجبى الشديد من كم الحنق والغضب الذى بات واضحا فى كتابات الجميع تجاه ما قام به رئيس حزب الوفد بوصفه الحزب المعارض الأكبر على مر الـ90 عاماً الماضية وكأن الوفد منزه عن كل نقص أو كأن من يكتب لم يسبق له مراجعة تاريخ الوفد، كحزب حاكم، خلال فترة شديدة الأهمية فى تاريخ مصر الحديث! بل وبدأ البعض فى الدفاع عن سيد البدوى أو حزب الوفد وكأنهما توأم سيامى شديد الالتصاق بل وتناسى بعض الوفديون تحالف البدوى- إدوارد ضد منير فخرى عبد النور أحد أهم أقطاب الحزب بل وضد أباظة فى المعترك الانتخابى لرئاسة الحزب!.
ثم يلقى الجميع بالأزمة على كاهل الحزب الحاكم الحالى ليتخلصوا من الحساب السياسى لذواتهم، فلا يستطيع أحد لا من قريب أو بعيد أن يغسل يدى الحزب الحاكم من دماء الحرية التى تراق يوميا منذ ثلاثة أسابيع والتى سوف تشكل حمامات دم لكل قلم حر وحتى انتهاء الانتخابات الرئاسية القادمة، بل وقد تمتد بعدها لأجل استقرار الأوضاع.
ودعونا هنا نتذكر أن النحاس باشا قد أطلق عند تشكيل وزارته الثالثة شعار (أن لا حزبية بعد اليوم) ولكن الملاحظ أنه بعد عقد معاهدة 1936 بدأ يسير سيرة حزبية مطلقة، وأخذت وزارته تميز المنتمين إلى الوفد عن سواهم.. وظهر ذلك واضحا فى التعيين للوظائف والترقيات فيها، وفى فصل كثير من العمد والمشايخ تلبية لرغبات أنصارها وبخاصة الشيوخ والنواب.
وكان إن حلت الحزبية محل القومية وتحكمت سياسة الأهواء، ولم يقتصر الأمر على تمييز المنتمين إلى الوفد بل امتدت فى كثير من الحالات إلى مجاملة ذوى القربى.. فاجتمعت المحسوبيات العائلية إلى المحسوبيات الحزبية.. واستفحلت هذه الأوضاع حتى فى مجال الأنعام بالرتب والنياشين، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى استحداث طبقة من محترفى السياسة وطلاب المنافع، وظل الأمر هكذا وبالا تعانى منه مصر على امتداد تاريخ الوزارات الحزبية.
واستحدثت الوزارة ما يسمى بفرق (القمصان الزرقاء)، وكانت فى الأصل تشكيلات منظمة تهدف إلى النهوض بالروح الرياضية بين الشباب، وما لبثت أن صبغت بصبغة سياسية وصارت أداة لإرهاب خصوم الوفد السياسيين وأخذت تتسلح بالعصى والخناجر وتعتدى على اجتماعات المعارضين.. وهو الأمر الشديد الشبه بما يقوم به الحزب الحاكم منذ إعلانه منبرا للوسط فى سبعينيات القرن الماضى وقت أن كان السادات رئيسا للبلاد.
وقد بذلت محاولات لتهدئة الصراع بين الملك والوزارة، والذى لم يهدأ على امتداد عمر هذه الوزارة (5 أشهر) وذلك عندما اقترح رئيس الديوان الملكى تأليف لجنة تحكيم تضم عددا من رؤساء الوزارات السابقين لحل المشكلات التى أثيرت بين الوزارة والملك، ومع قبول الوزارة لفكرة التحكيم إلا أنها رفضت التشكيل المقترح للجنة ورأت أن تقوم لجنة برلمانية بدور التحكيم، وكان من الطبيعى أن يرفض القصر هذا الاقتراح، باعتبار أن البرلمان يغلب عليه الطابع الحزبى.
ووصل الأمر إلى طريق مسدود، وفى 30 ديسمبر 1937 أقال الملك فاروق وزارة النحاس باشا فى خطاب أشار فيه إلى أن الشعب لم يعد يؤيدها..
ليس فى ما سبق أى إشارة أو تلميح لنفى دور وطنى رائد وفعال قام به الوفد أو حتى السعديون المنشقون عنه ولكن ما سبق هو ما شهده التاريخ ويؤكد أن الوفد له زلاته أو هفواته وكذلك هى بعض قيادته حتى أنه وقع فيما يقع فيه البعض عند الانتشاء بعظمة السلطة أو ما تعقده النفوس من الإطاحة بفلان لأجل عيون علان أو حتى الذهاب لمكتب المرشد العام فى المنيل.
أكتب هذا وأنا أعلم ما يجره علىّ من ويلات الهجوم والاتهام أو ما قد يصل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، ولكننى أعود قائلا "غفر الله لنا ولكم والأرزاق على الله".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة