فى عام 1995 كان الرجل المحترم الدكتور أحمد جويلى يشغل موقع وزير التموين والتجارة الداخلية فى مصر، وكان يخوض معاركه على أكثر من جبهة، بدءاً من محاربة غش السلع، مروراً بمحاولة ضبط الأسواق، وانتهاء بعمله على إصدار قانون لمنع الاحتكار، ويعد جويلى الأب الحقيقى لفكرة هذه القانون.
وبحكم قربى منه والذى تخطى وقتئذ متابعتى الصحفية لنشاطه الدائب، إلى لقاءات عديدة غير صحفية تطرقت إلى مناقشات فى قضايا متنوعة، رأيت قدرته الفذة فى العمل قدر ما يستطيع على الجمع بين كونه يعمل فى ظل نظام الاقتصاد الحر، وبين حرصه على تواجد دور الدولة فى حدود القطاع الذى يديره، والذى كان معنياً بتوفير السلع لعامة الناس بأسعار معقولة، ووفقا لهذه القاعدة رأيته كيف يواجه وقتها انفلات أسعار السكر، ولم يكن يبرح مكتبه فى الوزارة حتى ساعة متأخرة من الليل لمتابعة هذه القضية، وأذكر وقتها أنه قام بموافقة رئاسية على ضخ جزء من الاحتياطى الاستراتيجى للسكر فى مواجهة المافيا التى زلزلت الأسواق برفع السعر.
وفى عام 1995 وبينما كان بيع كل شىء هو شعار الحكومة "القومى"، أثير وقتها الكلام عن بيع المجمعات الاستهلاكية، وتفنن المستفيدون وأنصارهم من أصحاب رؤية خروج الدولة من كل شىء، بما يعنى ترك الحبل على الغارب، تفننوا فى الحديث عن حتمية بيع هذه المجمعات، لكن الدكتور جويلى كان له رأى آخر يتمثل فى أنه لو باعت الدولة هذه المجمعات فلن يكون لها منافذ بيع لمواجهة أى أزمات من مافيا الأسواق.
الآن فى عام 2010 تشهد الأسواق جنونا فى الأسعار لم تشهده مصر من قبل، وباسم الاقتصاد الحر تعجز الحكومة عن مواجهة الأمر، فلا هى تستطيع فرض تسعيرة جبرية، ولا هى تحت يديها فائض إنتاج يحقق مبدأ العرض والطلب فى صورته الصحيحة طبقاً لنظريات الاقتصاد الحر، وبالتالى ليس أمام الحكومة غير مزيد من الاستيراد الذى يتحكم فى مقاديره هؤلاء الذين يتحكمون فى فرض الأسعار، وفى ظل ذلك تذكرت الحكومة أن هناك المجمعات الاستهلاكية التى عمل جويلى كل جهده حتى لا تذهب فى سوق البيع إلى من يتحكمون فى حركة السوق بيعا وشراء وتسعيرة.
أول أمس اجتمع المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة والقائم بأعمال وزير الاستثمار، برؤساء المجمعات الاستهلاكية الذين طرحوا تصورات لتطويرها وتفعيل دورها، من أجل محدودى الدخل، وحتى تأتى هذه التصورات بنتائجها، الواجب أن نذكر أحمد جويلى، الرجل الذى حذر يوماً من الإفراط فى البيع باسم الاقتصاد الحر، وعمل كل جهده من أجل الإبقاء على المجمعات بعيداً عن محتكرى الأسواق الذين يذوق منهم محدودو الدخل كل الهول.