لم أكن متابعا لأحداث انقلاب الدستور، ضغط العمل لدى صرفنى عن متابعة الفضائيات أو الإحاطة بما يجرى من حولى، قرأت فى الدستور خبرا كتبه صديقى الصحفى المخضرم صبحى عبدالسلام عن طلبى الترشح فى انتخابات مجلس الشعب القادمة فى دائرة بولاق الدكرور بطعم الغزل والرجاء للإخوان ليفسحوا لى المجال، وهو إن حدث لا شىء فيه، المهم أن يكون قد حدث.
نُشر الخبر ونقلته مواقع إلكترونية بأن الزيات يغازل الإخوان، كتبت ردا وأرسلته عبر الفاكس، أوضحت فيه أن الواقعة على هذا النحو لم تحدث مع احترامى العميق للإخوان، بل لم تتولد لدى أى رغبة أو حماسة فى الترشح فى الانتخابات المقبلة لعدة أسباب، أهمها غياب الضمانات اللازمة لنزاهة العملية الانتخابية، ومرارة ما جرى فى الانتخابات الماضية، لكنى التقيت أخى الأستاذ محمد طوسون، حامل ملف الإخوان فى نقابة المحامين، على خلفية توسطه بينى وبين نقيب المحامين حمدى خليفة لتقريب وجهات النظر بيننا، وأثناء اللقاء سألنى طوسون هل تنوى الترشح مجددا، فأجبت حاسما بالنفى، وألمحت لما سلف بيانه من أسباب، لكن طوسون استفاض فى شرح وجهة نظره فى ضرورة إفساح المجال لبعض الشخصيات العامة فى بعض الدوائر لتخوض الانتخابات، ومنهم شخصى المتواضع فى ذات الدائرة، فكان اقتراحا منه لا منى ولا من الإخوان، وقال طوسون إنه سيرجع للإخوان ثم يفيدنى بالموقف فلم أكترث، حتى فوجئت بأخى صبحى عبدالسلام، الصحفى بالدستور، يسألنى، فأوضحت له ما حدث، لكنى فوجئت بالنشر على النحو الذى نشر به، فكتبت ردى وأرسلته للدستور وفى اليوم التالى تحدثت مع الصحفى عبدالمنعم منيب، وهو زميل زنزانة قديم، استطلع الموقف من تقاضى الكُتاب مكافأتهم بعد «التوسعة» التى حدثت مع المُلاك الجدد، وكنت قد تحدثت مع إبراهيم عيسى بصورة عرضية منذ فترة وسألته ضاحكا «إحنا حنقفش» ولا إيه، وضحك عيسى وضحكت، وقال حلوة حنقفش دى، لكن منيب فاجأنى: إنت مش عايش فى الدنيا ولا إيه؟
- ليه يابنى إيه اللى حصل؟
- قال: حصل انقلاب البدوى أقال ابراهيم عيسى، والصحفيون متجمعون فى الجورنال ومعاهم أربعة من مجلس نقابة الصحفيين.
أذهلنى الخبر.. فعلاقتى بإبراهيم عيسى تمتد لأكثر من عشرين عاما، استضافنى على صفحات الدستور الأولى فى معارك شتى عن العنف والتطرف والإرهاب والصلح ووقف العنف والمبادرات، وأيضا عن كرة القدم والزمالك، كان عيسى أول من قدمنى كاتبا رياضيا, وعلاقتى بالسيد البدوى معلومة للكافة، بينى وبينه مودة ومحبة وثقة متبادلة، استضافنى على قوائم الوفد فى الانتخابات الماضية وتحمس لى، رغم كل الضربات التى وجهها له البعض بسببى متهمين إياه بترشيح «إرهابيين أو متطرفين» على قوائم الوفد!
الدستور ارتبطت عندى بإبراهيم عيسى.. لا.. بل أظنها ارتبطت عند الكافة، الرأى العام والصفوة والنخبة بعيسى وتجربته، نشأ جيل من الصحفيين الشبان فيها وصاروا بعدها كبارا أصحاب تجربة.
استكتبنى عيسى فى الدستور القديمة، واستكتبنى أيضا فى الدستور الثانية، لم نكن نحصل على مقابل لقاء ما نكتب، لكننا كنا نشعر أننا أيضا جزء لا يتجزأ من التجربة، كنا منها ومازلنا وأهلها، يدعونا الإبراهيمان عيسى ومنصور ومعهما السرجانى ودعاء وكساب وصبحى وشادى إلى لقاءات فى المناسبات المختلفة، فنجتمع ونبحث ونقرر معا سياسة الدستور، نواجه معا مشكلات الدستور نقترح سبل الحلول، بالطبع كنا راضين بالمسيرة، أحيانا أرسل مقالى فى موعده لأجد هاتفى يرن وأجد صديقى إبراهيم منصور ضاحكا «ماتغير الموضوع يا أستاذ»، وأنا أفهمها وهى طايره ودون أن أناقشه أكتب غيره وأرسل الجديد، كانت الثقة متوفرة جدا بيننا بعضنا البعض، وكان الحرص أيضا باديا على بعضنا البعض.
لست أدرى على وجه التحديد سببا وجيها لما جرى؟ لست أفهم بعد ما حدث، وربما جزء من ارتباكى سببه وجود الدكتور السيد البدوى فى الكادر وفى المشهد! فأنا أيضا أثق به جدا وتجربتى معه تدفعنى لرفض أى اتهامات قد تعلق بالرجل، وقد أراحنى كثيرا ترك البدوى موقعه كرئيس لمجلس الإدارة، لكننى مطالب أيضا وغيرى بتقصى ما جرى وأسبابه ومراميه قبل الولوج إلى نتيجة محددة، هناك تفصيلات كثيرة نحتاج إلى فهمها، ماذا عن حقيقة الموقف، عن الإطاحة بصاحب التجربة، كان اختيار المُلاك للدستور تعبيرا عن تقدير منبر للشعب، وحرصا عليه وحمايته، هكذا استمعنا من السيد البدوى ورضا إدوارد، اشتروها ليحافظوا عليها بسياستها التحريرية برجالها والعاملين بها والكُتاب فيها، لهذا أظن أننا فى حاجة لنسمع ونعرف ونرصد كل الأسباب والخلفيات وحتى الظنون والشكوك والهواجس.
أظن أيضا لو كانت حاجة المُلاك الجدد لصحيفة جاهزة للإصدار، فهناك صحف كثيرة جاهزة للبيع، لماذا الدستور؟ لأنها جريدة وطنية تعبر عن هموم كل التيارات والمدارس الفكرية والسياسية والأيديولوجية.. هنا ينبغى أن نقف طويلا لنعرف ونطمئن، أنا على يقين أن الدستور ستتعافى قريبا إذا شاء الله وقدر.
لكننى أتحفظ على قرار الصديق السيد البدوى القفز من السفينة عندما واجهته الأمواج والأعاصير، فقفز من السفينة وتركها فى عرض البحر تتخبطها الأمواج والشعاب والصخور والقراصنة أيضا، منذرة بغرقها أو استلابها، فإذا كان البدوى قد قفز ليبعد عن سيرته نظرية المؤامرة على الدستور، أظن أن الدستور تبقى فى رقبته لأنه الذى تصدر المشهد، وأدخل الطمأنينة فى قلوب الجميع صحفيين وقراء أثناء صفقة بيع الدستور. لكنى ملزم بحكم العشرة والعيش والملح، ملزم بحكم القناعات المشتركة، ملزم بحكم حقى فى التعبير، وحق الدستور فى احتمالى وأمثالى من المحرومين من منابر حقيقية، أن يسع بعضنا بعضا، ملزم بأن أبقى واحدا من كتيبة الدستور خلف إبراهيم عيسى أدور معها حيث دارت، صعب جدا أن نقبل بدستور بلا عيسى.. فإلى حين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة