حينما شاهدت مانقلته الفضائيات المصرية من وقائع استقبال البطل المغوار، تامر حسنى أو ما يعرف اصطلاحيًا بنجم الجيل العائد من الأراضى البريطانية مكللا بتاج الانتصار بعد فوزه بجائزة قالوا إنها جائزة أفضل مطرب أفريقى.. حينما شاهدت المئات من شباب وفتيات مصر وهم يملئون ساحة أرض مطار القاهرة، وعلى صدورهم صور السيد نجم الجيل وفى أيديهم أعلام مصر تذكرت على الفور ماكتبته فى تلك المساحة منذ عام عن سنوات الصحوة الشعبية الأولى، تلك التى انحصرت بين العامين 2000 و2005 وكانت خلالها شوارع مصر تفيض بمظاهرات ساخنة، صحيح كانت مظاهرات تعانى من سوء تغذية نخبوية وجفاف فى الوعى ولكن صدقها وحماسها وفورانها وقدرتها على نفض الغبار عن الحياة السياسية المصرية وفتح الباب أمام الشباب للمشاركة والتفاعل غطى على كل شىء.
صيغة مشرفة اختارها الشعب المصرى ليعبر بها عن نفسه فى تلك السنوات الخمس عبر جماهير تتظاهر فى الليل وفى النهار، فى عز الحر وتحت المطر وتعلو بهتافات قاسية وشجاعة، وتعود للتظاهر مرات ومرات رغم تحرشات الأمن وقسوة عصيان الأمن المركزى، لترسم للشعب المصرى صورة نضالية جديدة يمكن ضمها لمتحف تاريخ،كفاحه العريض ضد الظلم بكل أنواعه.
تفاصيل تلك الصورة بدأت فى الاختفاء التدريجى بعد الانتخابات الرئاسية للعام 2005 وكأن صحوة المعارضة فى مصر موسمية تسبق الانتخابات وتعيش أجواءها وتموت بعد أن ينتهى الفرازون من تفريغ بطون الصناديق الانتخابية بالبلطجة أحيانًا وبالتزوير أحيانًا أخرى.
تلاشت تفاصيل الصورة وضاعت الكثير من ملامح الجماهير، التى زلزلت أرض ميدان التحرير وسلالم نقابة الصحفيين، لصالح صيغة جديدة وصورة أخرى لجماهير جعلت من نفسها "تشريفة" ترقص وتهتف وتصفق أمام صالات مطار القاهرة.
قارن بين جماهير 2005 وجماهير2010 وستجد فرقاً شاسعًا.. فى 2005 كنا ننشر أخبارًا عن مظاهرة هنا ومواجهة مع الأمن هناك، وفى 2010 ننشر كل يوم خبرًا عن جحافل شعبية تزحف إلى المطار مرة لاستقبال حسن شحاتة منتصرًا أو مهزومًا، ومرة لاستقبال علاء وجمال عائدين بصحبة المنتخب، ومرة لاستقبال الموكوس حسام البدرى ومن قبله لاستقبال الدكتور محمد البرادعى ومرة لاستقبال شوبير أمام قاعات المحكمة، أو للهتاف لهشام طلعت مصطفى بعد حكم النقض أو لاستقبال رجل الأعمال العائد رامى لكح.
تشريفة المطار هى الموضة السياسية للعام 2010 إذن.. أن يقف المصريون مصفوفين على جانبى طريق المطار أو أى طريق آخر هاتفين لكل شىء وأى حد طالما المصلحة اقتضت ذلك أو المزاج والعقول الخاوية حكمت بذلك، أن يكتفى المصريون بالتصفيق الحاد والهتاف الحار على جنبات الطرق أو بمعنى أصح أن يكتفى المصريون بالمشاهدة والتشجيع من على الدكة..
المثير هنا أن كل "تشريفة" يتوقف حجمها ومدى صهللتها وجلجلتها على قدر الاستفادة من أصحابها، أو مدى تفاهتها، قارن بين أعداد من ذهبوا لاستقبال البرادعى فى المطار وبين من ذهبوا لاستقبال رامى لكح أو ذهبوا بالأمس لاستقبال المغوار نجم الجيل، تامر حسنى وستدرك وقتها أن الكلمة العليا فى البلد مازالت للقمة العيش أو الهلس، لمن يفتح البيوت ويدفع مرتبات آخر الشهر أو لمن يملك القدرة على التنطيط فوق المسارح والنحنحة والسهوكة والغناء الذى يفطر قلوب بنات التجارة والإعدادى وليست للإصلاح السياسى والديمقراطى، وفى ذلك الأمر دلالة واضحة تعجز النخبة المصرية عن رؤيتها ربما لأنها بالفعل نخبة مزيفة تتكلم عن شعب لا تعرفه.. شعب يعانى فى البحث عن لقمة العيش والبحث عن المعرفة الحقيقة والوعى السليم ومع ذلك لا يرحمونه ويسعون لتحميله بعبء المطالبة بالإصلاح والنضال من أجل التغيير، قبل أن يقوموا بدورهم فى تثقيف هذا الشعب وتوعيته بمعنى الإصلاح وعوائده المستقبلية التى قد تجنبهم معاناة البحث عن لقمة العيش.