إذا كانت الحكومة تنادى باحترام القانون فعليها أن تسارع بتنفيذ حكم الإدارية العليا بإلغاء قرار إنشاء إدارة للحرس الجامعى تابعة لوزارة الداخلية داخل جامعة القاهرة. فقد اعتبرت المحكمة الإدارية العليا أن وجود قوات للشرطة تابعة لوزارة الداخلية بصفة دائما داخل حرس الجامعة يمثل انتقاصا من الاستقلال الذى كفله الدستور والقانون للجامعة، وقيدا على حرية الأساتذة والباحثين والطلاب فيها، وقالت المحكمة الادارية فى حيثيات حكمها إن إلغاء الحرس الجامعى يسمح لهيئة الشرطة بالتفرغ للمهام الجسام الملقاة على عاتقها كفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين فى ربوع البلاد على امتدادها.
وقد لمس حكم الإدارية العليا وترا مهما هو أن الدولة من حيث تريد فرض الأمن والسيطرة فإنها تحمل الشرطة ملفات ليست من مهامها، ويبدو التركيز على الأمن السياسى أكثر كثيرا من الأمن الجنائى. وبدت المحكمة منتبهة إلى أن الحكومة تحاول دائما التملص من تنفيذ أحكام القضاء باللجوء إلى استشكلات أمام محاكم أخرى، وهى طرق يلجأ إليها المتلاعبون ويفترض ألا تلجأ إليها الدولة، لأنها تنتقص من هيبة القضاء.
لقد ظلت الجامعة المصرية منذ إنشائها تنظم شئونها بعيدا عن وجود الشرطة التى يفترض أن دورها هو حماية الجامعة من الخارج كأحد المنشآت العامة، لكن داخل أسوار الجامعة فإن الجامعة نفسها فقط هى صاحبة الحق فى تنظيم شئونها. لكن جاءت سنوات اختلطت الأمور وأصبحت يد الأمن تتدخل فى كل كبيرة وصغيرة داخل الجامعة، سواء الأنشطة الطلابية أو اختيار الأساتذة والتحكم فى اختيار ممثلى الطلاب فى اتحادات الطلاب.
وتبرر الحكومة وجود الحرس بأنه رغبة فى منع التيارات المتطرفة أو المعادية للديمقراطية، بينما كان التدخل الحكومى هو بداية زرع الفرقة بين الطلاب.
والحقيقة أيضا أن وجود حرس الداخلية فى الجامعة هو أحد صور التدخل، لأن الوجود المستتر للأمن فى اختيار العمداء والأساتذة أدى فى النهاية إلى اختيار الأكثر ولاء وليس الأكثر كفاءة فى المناصب الإدارية، ووجدنا قادة الجامعة يبررون كل صور التدخل حفاظا على مواقعهم، بينما الطبيعى أن يكون الاستقلال أهم سمات الجامعة. بل إن استقلال إرادة أساتذة الجامعة هو الخطوة الأولى لاستعادة تقاليد الجامعة العريقة التى كانت تمنع أى جهة حكومية أو سياسية من التدخل فى البحث العلمى والأكاديمى. وهى القيم التى دفعت أحمد لطفى السيد للاستقالة من رئاسة الجامعة، اعتراضا على فصل أحد أساتذتها وهو طه حسين.
لقد مرت سنوات على تشكيل جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعات، وهى جماعة تضم علماء مثل الدكتور محمد أبو الغار، والدكتور عبد الجليل مصطفى وآخرين، سعوا من البداية لاستعادة القيم الجامعية العريقة التى قامت عليها الجامعة. ولجئوا للقضاء من أجل استعادة هذه القيم وفرض التقاليد الجامعية وهى خطوة مهمة، نحو دعم استقلال الجامعة وعودة روحها التى تكاد تكون ضاعت طوال سنوات كان الولاء للحكومة هو معيار تولى المناصب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة