تستعصى ذاكرة جمال الغيطانى على نسيان لحظات المجد والبطولة والشرف فى تاريخ مصر المعاصر والحديث والقديم، فهو العاشق الوله والمحب الدنف والصوفى القابض على جمر العشق لهذا الوطن لم يهزمه المرض أبدا على استيعاب عشق مصر فى قلبه ولم يحيد عنه أبدا فهو الشاهد على زمن الفداء والتضحية للذين عبروا والذين أدركوا معنى الوطن الحقيقى فقدموا أرواحهم فى سبيل استعادة الأرض والعرض وهو الشاهد أيضا بعد ذلك على زمن الترنح والتشتت والضياع على أيدى الذين هبروا.
ومع ذلك مازال لديه إيمان شديد بالإنسان المصرى الحقيقى بصورته وملامحه التى عرفها فى مدن القناة وفى سيناء ولذلك مازال ينقب فى سحابات العتمة والفساد عنه مثل ديوجين الإغريقى حاملا مصباح الأمل يستلهم من الماضى قيمة للحاضر ويستحث الذاكرة الجمعية للمصريين على عدم النسيان ويقلب فى صفحاتها المشرقة.
مساء الجمعة الماضى، جلست منتبها أمام إحدى حلقات برنامج "علامات" فى قناة النيل والغيطانى يستعرض على مدار ساعة أيام المجد التالد بعد نكسة 67 فى حرب الاستنزاف حتى حرب التحرير فى أكتوبر 73 ومشهد جنازة الشهيد الفريق عبد المنعم رياض ووجوه الأبطال فى معارك الاستنزاف وقصة العجوز صاحب المقهى فى السويس، الذى رفض أن يهاجر إلى الدلتا وآثر أن يبقى فى مدينة الشهداء وعويس بائع الفجل الذى استشهد فى إحدى عمليات المقاومة الشعبية.. رجال ورجال من الشعب والجيش أحيا ذكراهم الخالدة جمال الغيطانى وحكى ذكرياتهم معه أثناء عمله كمراسل حربى لأخبار اليوم من الفترة من 1969 وحتى عام 74 فهم أصدقاءه ورفاقه وأبطاله الحقيقيين الفخور بهم على الدوام والذى يؤكد من خلالهم حضارة هذا الشعب وهذا الإنسان الذى لا يتكاسل أبدا وقت التنادى للتضحية رغم ركام السواد والفساد عليه ومن حوله الغيطانى يحمل مصباح ديوجين فى برامجه وكتاباته ورواياته لإيقاظ شخصيات التاريخ القريب والبعيد وتقديمها لأجيال لم تعايش الوطن الحقيقى ويحاول البعض طمس تاريخه ولا يروق لهم أحياء زمن البطولات والتضحيات.
علامات الغيطانى جملة اعتراضية فى صخب برامج التغييب والتسطيح والبطولات الورقية والمعارك الزائفة وإفشاء روح اليأس والفرقة والتقسيم والفتنة، علامات حقيقية تستدعى روح الوطن المفقودة الضائعة فى الجسد المنهك، وتستلهم معارك النضال وتلهب الذاكرة بصور البواسل والأفذاذ من أبطال ملحمة الصمود والنصر.
نحن فى حاجة إلى أكثر من علامات فى التليفزيون المصرى لتعرف الأجيال الحالية أن الأبطال الحقيقين من مدنيين وعسكريين كانوا هناك يسطرون ملحمة من أعظم ملاحم الوطن بأيادى تقاتل وسواعد تبنى ومن حقهم الآن أن نعيد سيرتهم العطرة ليتقدموا المشهد من جديد وليتراجع اللصوص حتى يستعيد الوطن عافيته من جديد.
تحية إلى المبدع الرائع جمال الغيطانى ودعوات خالصة له بالشفاء والعودة إلى معشوقته مصر من جديد ليواصل علاماته المضيئة.