يبدو أن الحديث عن الإعلام سواء كان مكتوبا أو مسموعا أو مرئيا أصبح حديثا يهم العامة بمختلف شرائحهم.. بعد أن كان الحديث فى شؤون الإعلام حديث الخاصة على مدى عقود من الزمان.. فما إن تجلس فى تجمع أيا كان تخصصه أو اهتماماته تجدهم يثيرون الحديث حول الصحافة، وهنا مقصدى، ليس ما تنشره الصحف ولكن ما يثار بالصحف من شأن داخلى، كما أن حديث العوام قد كثر أيضًا على تداعيات أزمة إغلاق محطات فضائية وبرامج بعينها. إذن خلاصة الأمر أن الشأن الداخلى للإعلام الذى كان حديث أهله فحسب صار شأنًا عامًا يحق للقاصى والدانى أن يدلى فيه بدلوه مع ما فى الأمر من كثير من الالتباس وخلط الأوراق، فحين تقل المعلومات المتاحة للجمهور عادة ما يخطئ التقييم.
ولست أدعى أن ما سأسطره فى السطور التالية هو فصل الخطاب، أو الحق الكامل الذى يجب أن يبنى عليه أى مراقب من الناس للمشهد الإعلامى رأيه، ولكنها شهادة حق أكتمها أغلب الوقت لأنها تخص أهل الدار، ولكن حين تناثرت أخبارهم ما عاد الصمت عليها شرفا.
فى ظل أزمات إعلامية متلاحقة تسبق أزمة جريدة الدستور وبرنامج القاهرة اليوم وقرارات وزير الإعلام بإغلاق عدد من المحطات كانت هناك أزمات ربما نسيها الناس، مثل أزمة الأهرام وكثير من الصحف القومية التى تغيرت قياداتها، فثار لغط كثير حول رؤسائها السابقين وتربحهم من وظائفهم والملايين التى كانوا يتقاضونها و«السونا» التى كانت ملحقة بغرفهم، وحكايات أخرى كثيرة.. فى ظل كل هذا وأكثر لم أجد إلا أن أخط بعضا مما أشهد عليه لعلها تكون مجرد هوامش على دفتر النكسة أو الوكسة الإعلامية والمهنية التى نعيشها.
أولاً: يحفل المشهد الإعلامى بكثير من الكذب والخداع، فأكثر من يذكرون الشرف فى مقالاتهم، وأكثر من يتحدثون عن الشفافية والمواطن الغلبان فى برامجهم، وأكثر من يزعمون المعارضة فى حديثهم ليسوا كذلك، أو كما تنطق ألسنتهم بل أغلبهم أبطال من ورق لو رأيتهم فى لحظات الصدق القليلة، وخلف الكاميرات وبدون أقلام لفررت منهم ولكنها الدعاية التى قال عنها جوبلز داهية النازى أنها تصنع المعجزات وفى الإعلام المصرى والعربى الدعاية على ودنه على رأى توفيق الدقن صاحب العبارة الشهيرة أحلى من الشرف مافيش، وهو من كان أبعد عن الشرف.
الإعلام إخبار بحقيقة أو على الأقل حقيقة كما يراها ناقلها، ولكن الدعاية إخبار بكذب ناقلها واثق من كذبها، وفى مصر الفروق بين الإعلام والدعاية تكاد تكون منعدمة.
ثانيًا: مرت عقود وسنوات طويلة كان فيها الإعلام مهنة الناس الغلابة كما كانت مثلا مهنة المدرس، ولكن تغيرت الأحوال كما هى عجلة الحياة فلا صار الراكب راكبا ولا السائر سائرا، فلا المدرس صار المواطن الغلبان الذى يتقاضى الملاليم ولا الصحفى أو الإعلامى، صار شرطا أن يكون من أصحاب الدخل المحدود، وبالتالى صارت المهنة جاذبة للضوء ومع كثرة الأضواء يزداد الهاموش وكثير من الكائنات الطائرة والزاحفة.
ثالثًا: من العجب أن ما حدث وما قيل عن رؤساء تحرير ومجالس إدارة الصحف القومية والملايين التى يتقاضونها وانفجار حقائق كثيرة مخزية بقوة القانون بردت نارها، والعجيب أن من يجلسون على كراسى السابقين يتقاضون نفس ما كان السابقون يتقاضونه، فاللاحقون بقوة القانون الذى سنه السابقون لم يغيروا ما انتقدوه بل صاروا يتمرغون فى خيراته وربما يدعون بالرحمة لمن سبقهم لأنهم ستفوا الأوراق لتعطيهم ما ليس من حقهم، وعاد الصمت للصحف القومية وما عاد أحد يقول من أين لك هذا، ربما ينتظرون لحظة تغيير ينتفضون عندها ويقولون: أحلى من الشرف مافيش.
رابعا: صناع الصحف الخاصة هم من أهل البيت الذى تربى فى حضن صحف الحكومة، ولذا فأغلبهم يبدو كمن يتمرد على أمه وأبيه إذا شب عن الطوق ولكنهم فى النهاية تربية الحكومة وأحلى من الشرف مافيش.
خامسًا: كشفت أزمة جريدة الدستور بعضا مما يدور فى الكواليس، وإن ظلت الغيوم تعمى العيون، فالكلام عن تهرب من الضرائب وعمولات وكتابة أسهم بأسماء غير حقيقية من الطرفين الملاك أو التحرير، كشفت هذه الأخبار وإن تناساها البعض، لارتفاع أصوات الصراخ، عن فساد خلف الأبواب مهما علت أصوات أصحابها بكلمة أحلى من الشرف مافيش.
سادسا: فى ظل تبارى الإعلام بالتسابق على مهاجمة الحكومة والنيل منها وكأنها الشيطان الوحيد بيننا «الحكومة شيطان نعم ولكن ليست فى عالم ملائكة بأجنحة» نسى الجميع المهنية الأصلية كمعيار للبقاء وصارت القوة للصارخ الأكبر فى لعن الحكومة وصارت الزعامة والعبقرية لطولة اللسان وقلة الأدب حتى صار إعلامنا نسخة من شوارعنا وما أكثر زبالتها.
سابعا: لم يسلم أصحاب اللحى والمتشدقون بكلام الله ورسوله من كل الرذائل التى أحاطت بالإعلام ولم تفطن وزارة الإعلام لتسللهم عبر دماء الشعب إلا بعد خراب مالطة حين تحول رجالاتها إلى قادة تماما كقادة الإعلام أبطال من ورق ولكنهم ورق يحمل نارا فى مجتمع مشبع بالبنزين.. الناس فى الشارع تردد شتائم الإعلاميين وفتاوى أهل الدين على الشاشات ويعلم الله أن أغلبهم كاذبون سيدهم الإعلان ومعبودهم الدولارات وأحيانا الجنيهات وأحلى من الشرف مافيش.
كانت هذه مجرد هوامش على «دفتر النكسة» أو الوكسة الإعلامية، وعذرا لنزار قبانى صاحب تعبير «هوامش على دفتر النكسة».
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة