بعد لقاء سريع مع الأستاذ خالد صلاح، رئيس تحرير صحيفة "اليوم السابع"، ومدير تحريرها الأستاذ سعيد الشحات، وتشريفى بأن أكون أحد كتّابها، ما إن انتهى اللقاء حتى تسارعت الأفكار فى ذهنى، بأى الموضوعات أبدأ، وهل ما سأكتبه سيكون على مستوى الصحيفة؟ وهل ستشكل كتاباتى إضافة لها، أم هى مجرد تجربة ستتوقف بعدها الكتابة وتبقى العلاقات الإنسانية؟ وغير ذلك الكثير من التساؤلات، المُسبِبَة للحيرة والتوتر.
وبين الصراع الذهنى وجدل الأفكار، وتسابقها لتكون لها الأولوية فى الكتابة، ولتكون صاحبة أول إطلالة عبر صفحات "اليوم السابع"، كان لهذا الصراع وذلك الجدل أن يتوقف، لأننى فى اليوم نفسه وبعد اللقاء مباشرة كُنتُ ضيفاً على برنامج "منبر الرأى"، بإذاعة "البرنامج الثقافى"، وكان موضوع الحلقة "تداعيات الكشف عن وثائق الاحتلال الأمريكى للعراق". وهنا لا مست خط البداية، وهو هذه الوثائق، وتوقيتها، وأهمية الكشف عنها، ومكاسب وخسائر الأطراف المعنية، منها، وهنا تواردت عدة ملاحظات:
أولها، حول التوقيت وارتباط نشر هذه الوثائق بالجدل العراقى الداخلى حول تشكيل الحكومة، وكذلك بانتخابات الكونجرس الأمريكي، وهنا أرى أن هذا النشر لن يؤثر كثيراً على الداخل العراقى، فتشكيل الحكومة مُجمّد منذ مارس الماضى، وتستفيد من تجميده العديد من الأطراف، التى تتمنى استمراره، ليبقى العراق أسير صراعاته الداخلية وانقساماته السياسية والعرقية والطائفية، وفى المقابل فإن هذا النشر من شأنه أن يدعم إدارة أوباما فى الانتخابات، لأنه يزيد من قتامة صورة الإدارة السابقة، وكشف عوراتها.
ثانى الملاحظات، حول تورط إيران فى الشأن العراقى، كما كشفت عنه الوثائق. وهنا أعتقد أن الوثائق لا تقدم جديداً، فالدور الإيرانى فى العراق واضح ولا يحتاج إلى أدلة أو مؤشرات، ولكنه التساؤل المهم الذى يطرح نفسه، فى هذا السياق، هو: هل هذا الدور يتم منفرداً ارتباطاً بمصالح إيران العليا، وإستراتيجية أمنها القومى؟ أم أنه يتم بتنسيق أمريكى؟ وفى اعتقادى أن التفسيرين صالحان للاستخدام، ولا يمكن الفصل بينهما، كما أنه لا مجال فى العلاقات الدولية، لأحادية التفسير فى أية قضية من قضايا هذه العلاقات.
أما ثالث هذه الملاحظات، فيرتبط بإلى أى مدى يمثل نشر هذه الوثائق أهمية للقضية العراقية؟ وهنا أقول إن القضية ليست بحاجة لمثل هذه الوثائق لتأكيد الانتهاكات والجرائم التى تورط فيها الكثيرون داخل العراق وخارجه، لأن الانتهاكات تحدث كل يوم، ومن اليوم الأول من وقوع الاحتلال، ومن ناحية ثانية، لا أعتقد أنه يمكن لطرف عراقى أن يستفيد من نشر هذه الوثائق على حساب طرف آخر، فالكل مُدان، والكل متورط وشريك فى هذه الانتهاكات، حتى ولو بطريق غير مباشر. ومع هذا وذاك تبقى أهمية نشر هذه الوثائق فيما أحدثه من يقظة فى الوعى العربى، وخلق حالة استنكار عامة، وتعبئة شعبية واسعة ضد ممارسات الاحتلال والمتعاونين معه. ولكن يبقى الخوف من أن تكون هذه الحالة مجرد فقاعة هوائية، اعتدناها كثيراً، سرعان ما ستنقشع، وتبقى السماء العربية ملبدة بغيوم العبثية السياسية..!!
* دكتوراه الفلسفة فى العلوم السياسية.