أرجو أن يتسع صدر وزير التعليم العالى الدكتور هانى هلال، ومجلس الوزراء بكامله، وأن ينظروا بعين الاعتبار والاهتمام إلى وثيقة إصلاح التعليم العالى فى مصر، والمطالب الـ 14 التى تتضمنها، وألا ينساقوا أبداً إلى تصور يضعهم فى تحدٍ مع أساتذة الجامعات، فأوضاع التعليم لدينا معروفة ولا يمكن المزايدة عليها، فعدد الأبحاث العلمية المصرية المنشورة فى الدوريات العلمية العالمية لا يسر حبيبا، وأوضاع الأساتذة والباحثين تدفعهم دفعا إلى الهجرة والبحث عن بلد يستوعب أحلامهم ويقدر جهودهم، والميزانيات المخصصة للبحث العلمى لا يمكن أن تمنحنا فرصة للخروج من أزماتنا فى جميع المجالات.
يعرف الدكتور هلال ومجلس الوزراء أكثر من أى أحد آخر أن تحقيق فرص التنمية والتقديم مرهون بإصلاح حال الجامعات ونهضة البحث العلمى، ويعرفون أيضا أن اللهاث وراء استثمارات مشروطة بالتحكيم الأجنبى والتسهيلات المجحفة على حساب الثروات القومية، أو على حساب تلوث البيئة لم يدفعنا خطوة للأمام، مثلما لم تدفعنا للأمام شماعة زيادة النسل أو العمل على تدبير الموارد لتوفير ميزانيات الدعم.
البحث العلمى يستطيع تقديم إجابات وطنية غير مكلفة فى حساباتها النهائية، توفر المليارات المهدرة بالسياسات الخطأ، وأذكر فقط بالاستثمار فى بحوث القطاع الزراعى، وبعض أبحاثها الناجحة بأقل الإمكانيات لاستنباط سلالات جديدة من القمح والأرز غير الشره للمياه، والمزروع على نبات البوص فى مناطق الملاحات، مثل هذه البحوث الرائدة وغير المفعلة بالكامل قطرة فى بحر الإنجازات التى يمكن أن يحققها البحث العلمى لهذا البلد.
البحث العلمى يا سادة شئنا أم أبينا هو طوق النجاة الوحيد الذى يستطيع انتشال هذا البلد من غمرة مشاكلها، وأولها نقص الغذاء والدواء وتراجع الصناعات الوطنية، وانظروا لتجارب النمر الآسيوية والهند فلكم فيها العظة والعبرة.
لا أعتقد أن الحكومة تعمد إلى إتباع سياسات خاطئة تجر الأزمات على البلد، فأى مسئول يريد أن ينجح، وأن ينسب إليه هذا النجاح، وإذا كان علماء مصر وأساتذة الجامعات لديهم ما يمكن أن ينتشلها من أزماتها، ويشترطون بضعة شروط هينة تمكنهم من أداء رسالتهم بنجاح، فلمَ لا نمنحهم ما يطلبون حتى يمنحوا البلد ما يحتاجه؟
مطالب الأساتذة كلها معقولة، وأولها الاستقلال الكامل للجامعات، وإعادة صياغة مسئولية الدولة تجاه التعليم العالى والبحث العلمى، والتوسع فى التعليم المهنى، وتحسين الجودة، وتحسين طرق التدريس، وتنمية العلاقات بين البحث العلمى وسوق العمل، والالتزام بالنزاهة الأكاديمية والمؤسسية، إلى جانب الأمور المتعلقة بزيادة المرتبات والمعاشات وصناديق العلاج، وغيرها من الأمور الإدارية مثل إنشاء نقابة مستقلة لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات ومراكز البحوث، والعودة إلى انتخاب القيادات الجامعية، وإعادة النظر فى لجان الترقيات العلمية.
لكن أهم المطالب فى ظنى تلك المتعلقة بزيادة ميزانية التعليم العالى بحيث لا تقل عن 5% من إجمالى الناتج القومى، وأن تكون هناك إرادة سياسية للنهوض بالتعليم خلال العقدين المقبلين، وعودة أوضاع الأساتذة غير المتفرغين إلى ما كانت عليه قبل عام 2000 لتحقيق الاستفادة القصوى من إسهاماتهم فى مجالات التدريس والبحث العلمى.
هذان المطلبان هما نواة لمشروع قومى يتبنى نهضة هذا البلد علمياً ليحتل المكانة التى يستحقها، ولا أظن أن هناك مشروعاً أهم لدينا منه للخروج من نفق الفقر والتخلف الذى نقبع داخله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة