من حسن حظنا أننا لسنا بريطانيين أو فرنسيين، ومن يطالعنا يجد أن لدينا حكومة مثل حكومة نظيف، وحزب مثل الوطنى، وبرلمان برئاسة الدكتور فتحى، فقد نجونا من كل المشاكل وعبرنا كل الأزمات واللفتات.
فى بريطانيا، يتظاهرون احتجاجاً على خفض الإنفاق العام، وفى فرنسا يتظاهرون احتجاجاً على رفع سن التقاعد عامين، وفى مصر يتظاهرون من أجل عدم وجود مياه للشرب أو الرى، ورفض تنفيذ وعد حكومى برفع أجور موظفى مراكز المعلومات من 99 جنيهاً إلى 380 جنيهاً.
طبعا الحكومة عندنا سترد بسرعة لتقول، إنهالم تخفض الإنفاق، وهى فى الأصل ترفع سن التقاعد، وبالتالى فإنها ترى نفسها متفوقة على حكومات بريطانيا وفرنسا وأمريكا إن أمكنا، وقد سبق ورأينا حكومتنا تعلن أنها عبرت الأزمة العالمية بلا خسائر، مع أن الأسعار ارتفعت والناس افتقرت.
فى بريطانيا، احتجاجات واسعة ضد خفض الإنفاق الحكومى، شارك عشرات الآلاف من نشطاء النقابات فى مظاهرات احتجاج فى مختلف أنحاء بريطانيا. وقالوا إن حكومة بريطانيا هى حكومة مليونيرات، وإن قرار وزير الخزانة جورج أوسبورن عن خفض حاد فى الإنفاق العام يهدد بفقدان 490 ألف وظيفة، على عكس حكومتنا التى هى حكومة فقراء بملابس "مقطعة"، لا توفر وظائف أو فرص عمل من الأصل حتى يفقدها العاملون.
الأمين العام لاتحاد نقابات السكك الحديدية والنقل بوب كرو دعا إلى حشد من المتظاهرين فى لندن لمكافحة خفض الانفاق، والأمين العام لاتحاد المهن التجارية، أحد أكبر الاتحادات العمالية، أعلن عن مظاهرة كبرى يوم 26 مارس القادم فى لندن.
فى فرنسا، أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية مشروع قانون يرفع سن المعاش من 60 إلى 62 عاماً، صوت لصالح القانون، بعد إقراره من مجلس الشيوخ بأغلبية 177 صوتاً ومعارضة 151، بعد ثلاثة أسابيع من المناقشات. بفروق بسيطة وليس بطريقة الدكتور فتحى الفرانكفونى "موافقة"، القانون انتصارًا للرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى فى معركته مع النقابات العمالية، لكن الحزب الاشتراكى أعلن أنه سيطعن فى القانون أمام المجلس الدستورى أثناء المناقشات ارتفعت الاحتجاجات العمالية، ودعت عدة النقابات إلى تنظيم يوم آخر من الإضرابات فى كافة القطاعات وحددت يوما آخر من الإضرابات يوم 6 نوفمبر المقبل.
انضم للمظاهرات المئات من طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس الثانوية أمام مبنى مجلس الشيوخ بباريس، قدرت فيه وزيرة الاقتصاد الفرنسى كريستين لاجارد خسائر الناجمة الإضربات بحوالى 400 مليون يورو يوميا. وهى خسائر الديمقراطية.
أمناء النقابات العمالية فى بريطانيا وفرنسا هم الذين يدعون العمال للتظاهر والإضراب، الأمناء منتخبين انتخابا حرا وليس على طريقة الاتحادات عندنا التى يتم تطبيقها بالتعيين الاستفتائى على مبادئ الحزب الوطنى.
معظم المظاهرات مرت بشكل سلمى، وفى حراسة الشرطة، التى يفترض أنها تعمل لصالح دافعى الضرائب. وطبعا لو كانت هذه المظاهرات فى مصر لن يشاهد أحد السيد حسين مجاور رئيس الاتحاد العام لأنه متفرغ للعمل السياسى مع الحكومة، ورؤساء الاتحادات لا يمكنهم أن يتورطوا فى مثل هذه الأفعال التى يقوم بها زعماء الاتحادات العمالية فى بريطانيا أو فرنسا.
ومثلما تبدو النقابات العمالية مختلفة، فإن الاحتجاجات نفسها مختلفة، وحركات الاحتجاج تتشكل بالعقل والمنطق، وتحالفات تقوم فى مواجهة خفض الإنفاق فى بريطانيا، أو رفع سن التقاعد فى فرنسا، ولا ترى الصراعات الفرعية بين المتظاهرين، ولا الرغبة العارمة لدى الزعماء فى "الاستزعام".
ولم يخرج أحد فى فرنسا أو بريطانيا ليتهم المحتجين بالعمل لصالح جهات أجنبية، ولم يتلق رئيس اتحاد العمال تهديدا بالفصل، ولم يتهم المحتجون بعضهم بالخيانة أو تنافسوا على الزعامة، وطبعا حكومتنا ستخرج لتقول إن مظاهرات بريطانيا وفرنسا تمت لأنهم لم يسمعوا كلامنا ونصائحنا.
وعندما نرى ما يجرى هناك وما يجرى عندنا لا نملك إلا الهتاف "تسقط حكومة بريطانيا وفرنسا.. وأمريكا إن أمكنا" وتعيش حكومة الدكتور نظيف.