عندما استمع وزير التنمية الاقتصادية ورئيس المجلس الأعلى للأجور عثمان محمد عثمان يدلى بتصريح أو يرد على سؤال أو يدلى بإفادة ،لابد أن أتحسس رأسى خشية أن ينفجر أو أن يطير عقلى ولا يعود مكانه.
ليس السبب فى هذا العارض الذى ينتابنى أن صوت الوزير سيئ، فليس من مواصفات وزير التنمية الاقتصادية أو أى وزير لدينا أن يكون صوته متسقاً مع المقامات الموسيقية شرقية أو غربية، ولكن من مواصفاته الأساسية أن تكون أفكاره المتجلية فى تصريحاته وردوده متسقة مع مهامه باعتباره مسؤولاً سياسياً فى المقام الأول، واشتراطات دوره كوزير للتنمية الاقتصادية وأن تكون متوائمة مع القانون وأحكام القضاء بالضرورة، لا تخالف بنداً أو تعارض حكماً وإذا كان القضاء هو عنوان الحقيقة ، فإن الوزراء هم عنوان النظام
أقول ذلك بمناسبة التصريح الأخير الطريف لوزير التنمية الاقتصادية، والذى هدد فيه باستيراد عمال من بنجلاديش إذا لم يقبل العمال المصريون النماردة جمع نمرود بـ400 جنيه حداً أدنى للأجور كما حدده المجلس الأعلى الذى يرأسه وزير التخطيط.
هذا الرد المستفز والمتعالى أوقع الوزير فى جملة من المخالفات المتعارضة مع مهامه كمسؤول سياسى ووزير تخطيط، أولها أنه أوضح بما لا يدع مجالاً للشك عدم استجابته بل وتحديه لأحكام القضاء الذى أقر فى حكمين منفصلين بإلزام الحكومة تحديد حد أدنى للأجور ل يقل عن 1200 جنيه شهرياً.
كان يمكن لوزير التنمية الاقتصادية أن يدفع بأن مبلغ الـ400 جنيه الذى قدره المجلس الأعلى للأجور هو مرحلة أولى من الاستجابة لحكم القضاء برفع الحد الأدنى للأجور يعقبها مراحل أخرى متتابعة تصل فى إطار جدول زمنى إلى الحد المأمول.
وكان يمكن أن يدفع بأنه ومن موقعه كوزير للتنمية الاقتصادية لا يعتبر أن النقود السائلة هى الوسيلة الوحيدة لرفع الحد الأدنى للأجور، وأن هناك وسائل أخرى أكثر فعالية مثل التدريب وتطوير القدرات وفق خطط معتمدة، تعمل علي نقل فئات العمال غير المهرة من شريحة مالية إلى شريحة أعلى فى سوق العمل تلقائياً بعد تدريبهم وإكسابهم المهارات المطلوبة.
وكان يمكن أن يدفع بأن وزارته تقوم بتوجيه الاستثمارات الأجنبية إلى القطاعات كثيفة العمالة، والتى تعمل تلقائياً على رفع المستوى المهنى للعمال فترتفع أجورهم دون الحاجة لحكم قضائى أو قانون يتم تمريره فى البرلمان.
وكان من الحكمة أن يدفع الوزير حتى بالعامل الزمنى الذى تستخدمه الحكومة لتصفية العمال والموظفين، بعد أن أوقفت التعيينات وتركت إدارة مواردها البشرية تجرى فى اتجاه واحد هو الخروج على المعاش والوفيات
لكن وزير التنمية الاقتصادية ورئيس المجلس الأعلى للأجور لم يدفع بأى من الردود السابقة، وبدلاً من ذلك ظهر متلبساً دور صاحب المصنع المستغل الذى أوقف ماكينات مصنعه وهدد العمال بالطرد، "ياتشتغلوا بمزاجى، يا إما هجيب بدل الواحد منكم عشرة من بنجلاديش "
أين السياسة يا رئيس المجلس الأعلى للأجور وأين الخطط المستقبلية يا وزير التنمية الاقتصادية؟
هل أصبحت الحكومة الرشيدة مجرد مجموعة "إشارجية وسماسرة" ، لا سمح الله ، فى سوق الاستثمار الواسع الذى يلعب فيه رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال أدوار البطولة؟
حتى أعتى الدول الرأسمالية لا تفعل ذلك يا وزير التخطيط!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة