المجالس القومية المتخصصة إحدى قلاع المتابعة والتخطيط المستقبلى، وهى تضم نخبة من أفضل علماء ومفكرى مصر من كافة التخصصات والعلوم ،وظيفتهم الأساسية رصد وتحليل الواقع المصرى سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، واستخلاص توصيات للتحرك خلال المستقبل القريب أو البعيد ووضعها أمام متخذ القرار.
كما تقوم المجالس القومية المتخصصة بدق أجراس الإنذار فى حالة وجود خلل فى إحدى المجالات أو فى تطبيق سياسات بعينها لتنبيه متخذ القرار بضرورة الإصلاح قبل تفاقم الخلل أو استفحال أثر السياسات المعيبة.
والحق أن المجالس القومية المتخصصة وخبراؤها يقومون بمهامهم على أكمل وجه والدليل مجموعة التقارير الصادرة مؤخراً والتى أشارت بصدق وموضوعية ووضوح إلى جوانب الخلل العديدة التى تحيط بالسياسات المطبقة فى مجالات الزراعة والبترول والتعليم والدعاية الاجتماعية والصحية، واستهلت تقاريرها تلك بمراجعة شاملة لمعايير سلامة الغذاء المطبقة حالياً، وكيف تراخت قبضة الأجهزة التنفيذية فى حفظ سلامة الطعام الذى يتناوله المصريون حتى أصبح الغذاء سبباً للكثير من الأمراض بدلاً من أن يكون وسيلة تحافظ على صحة المواطن وتدفعه للعمل والإنتاج.
يكفى هذا التقرير وحده ليكون العكوف على دراسته والأخذ بتوصياته وتفعيلها، مشروعاً قومياً تتبناه الحكومة أو مجلس مصغر للوزراء تشارك فيه وزارات الزراعة والرى والمالية والاستثمار والتنمية الاقتصادية والتضامن الاجتماعى.
عمل مجلس الوزراء المصغر المعنى بمراجعة سياسات سلامة الغذاء، يبدأ بالوقوف على أهم مشكلات الزراعة المصرية واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التعديات على أراضى الدلتا وكذلك منع تأكل أراضى الزراعة القديمة بطول نهر النيل بفعل تنامى البناء عليها، وتوفير مياه الرى اللازمة للمحاصيل الاستراتيجية مع تبنى البحوث الزراعية المركونة على رفوف وفى أدراج المركز القومى للبحوث الزراعية والخاصة بزيادة إنتاجية أراضينا الطينية القديمة واستنباط أنواع جديدة وفيرة المحصول، الأمر يقتضى أيضاً التعاون الكامل من وزارات المالية والاستثمار والتجارة والصناعة لفتح الاعتمادات وتوجيه الاستثمارات إلى دعم الفلاح المصرى لعودة الروح للمحاصيل المصرية الأساسية وتسويقها محلياً وتصدير الفائض منها.
مصر كانت وستظل دولة زراعية فى المقام الأول، وتراجع الزراعة فيها لن يعوضه أى توجه أخر للاستثمار، لأن بقاء الإنسان المصرى قوياً قادراً على الإنتاج والبناء مرهون بقدرته على الحفاظ على أرضه الزراعية أمنه وغذائه سليماً من التلوث والأسمدة المسرطنة.
هل تستطيع الحكومة إعلان "الحفاظ على سلامة الغذاء للمصريين مشروعاً قومياً بدلاً من التصريحات الجوفاء عن مستويات التنمية التى لا تصل إلى المواطنين؟ أم أن الحل أن يتبنى الرئيس المشروع هدفاً لبرنامجه الانتخابى المقبل!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة