اليوم يلتقى محبو الفنان الراحل عدلى رزق الله وأصدقاؤه وتلاميذه فى حفل خاص لتأبينه، ورأت أسرته أن يعبر الحفل عن اختيارات الراحل الكبير، بأن يتم وسط لوحاته بجاليرى "الكحيلة" بالمهندسين.
عرفت الفنان عدلى رزق الله عن قرب خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة ولم يكن الراحل مجرد فنان تشكيلى محب لفنه، بقدر ما كان مثقفاً كبيراً وناثراً جميلاً حكيماً ومعلماً وطنياً أيضاً، وأذكر أن أول لقاء جمعنى بالراحل كنا مجموعة من شباب الشعراء المتحمسين المتصعلكين المكتفين بصولجان الشعر، استمع لنا "عم عدلى" طويلاً ودخلنا فى نقاشات احتدت حول الثقافتين الرسمية والمستقلة ودور الفنان فى مجتمعة ومسئوليته تجاه نفسه وإبداعة وبلده
وأذكر أن الراحل، انتحى بى جانباً وخصنى بإحدى عباراته المأثورة التى صارت درساً حياتنا وفنياً بالنسبة لى "إياك والصعلكة.. الفنان الذى لا يستطيع كسب ثمن طعامة وشرابة لا يستطيع رسم لوحة أو كتابة قصيدته"، ثم دعانى لزيارة مرسمه فى كنج مريوط الذى تمنى فى حياته أن يتحول إلى متحف لأعماله بعد غيابة، وهناك فى عزلة كنج مريوط ومن خلال نظام العمل الذى كان يطبقة "عم عدلى" أنجزت كتاباً كاملاً خلال أسبوع واحد، فكان درساً ثانياً فى كيفية تنظيم الوقت والتفكير فى ما يجب أن يشغل الكاتب والفنان .. الإنجاز الفنى.
فى لحظات يأسنا وهى كثيرة، كنا نلجأ إلى الفنان الراحل، لا للشكوى ولكن لزيارة منجم التفاؤل الذى كان يتحرك به وسطنا، فيدهشنا بكم إنجازاته فى مجالات متعددة .. اللوحة .. وأغلقة الكتب ومشروعة للأطفال وكتاباته حول الفن وسيرته الذاتية، ثم يبدأ فى استجوابنا عن أخر ما أضفناه، وهل شخنا قبله ،هو الذى سبقنا فى العمر بثلاثين عاماً أم مازلنا نقبل تحديه للعمل والإنتاج.
كان الراحل صاحب مقولة "الحد الأقصى" وهى تميمته التى أصبحت تميمة كثير من محبيه الفاهمين، على الفنان عموماً أن يعمل بحده الأقصى وأن يؤدى بكل جهده ولا يعول على النتيجة بعد ذلك، فما دام يؤدى ما عليه دون تقصير أو تكاسل وبقدرته القصوى، فالنتائج غير مهمة لأنها مرتبطة غالباً بعوامل خارجية ومناخ ثقافى سائد وثقافة مجتمعية مسيطرة هل أنت راض عن نفسك؟ هل بذلت أقصى جهد فى عمل ما تحب؟ كانت هذه أسئلة، إذن لم هذا الضجر واليأس الباديان عليك! اليأس رفاهية لا نملكها ولا يجب أن تستند إليها فهى معطلة ومدمرة .. تلك كانت أيضا من كلماته.
فى هذه السياق أتساءل عن مشروع الفنان الراحل للأطفال "إلعب وتعلم" فقد كنت شاهداً على هذا المشروع، وكيف تلقفته عده دور نشر مصرية، نشرت أجزاءً منه ثم تكاسلت عن نشرة متكاملاً، مثلما أحجمت وزارة الثقافة والتعليم عن تبنيه، رأيت بعينى الفنان الراحل فى إحدى مدارس الدراسة الابتدائية والحكومية يحمل نماذج من مشروعة وأدوات الرسم والتلوين ويوزعها مجاناً على جميع تلاميذ الصف الأول الابتدئى فى حضور الناظرة المتنورة ومعلمى الرسم الذين احتفلوا بالدرس الذى يعطيه الفنان لأطفال فى بدايات رحلة التعليم، وكيف أنطلق الأطفال يرسمون ويرددون بحماسة التعاليم الأولية التى يتضمنها المشروع، ساعتها تخيلت ماذا سيكون عليه حال التعليم عندنا لو تم تطبيق مناهج تعتمد على الإبداع والابتكار منذ الصفوف الأولى وحتى انتهاء المرحلة الجامعية!.
عم عدلى رزق الله كما كنا نناديه لم يشترك فى مظاهرة ولم يرفع لافتة معارضة لكنه كان وطنياً تأثراً بفنه ومشروعاته التعليمية، ولم يفقد إيمانه أبداً بالعمل والتغيير من أجل أهالينا فى القرى والنجوع والعشوائيات