أدهشنى الأسف الأمريكى لقرار مصر الأخير باستئناف رحلات الطيران بين القاهرة وطهران.. فى العرف الدبلوماسى لا مسمى لهذا الموقف الأمريكى سوى وصاية مرفوضة وتدخل غير مقبول، خاصة أن إيران ليست دولة معادية لمصر ولم يسبق لها أن هددت أمننا القومى.. بعيدا عن موقف تيار متشدد داخل النظام الإيرانى من الرئيس السادات بسبب موقف شخصى يتعلق باحتضان الرئيس الراحل شاه إيران بعد الإطاحة به من عرشه ورفض أصدقائه الأمريكيين علاجه فى الولايات المتحدة..
موقف السادات أشعل روح الغضب الإيرانى تجاهه وليس تجاه مصر.. بعيدا عن هذه العقبة التاريخية وما ترتب عليها من مظاهر الشماتة الممجوجة مصريا بعد اغتيال السادات لا يوجد بين مصر وإيران تاريخ من العداوات ولم يسبق لإيران الدخول مع مصر فى حروب عبر التاريخ.
أعترف بأن مصر ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وهى ترتبط مع الولايات المتحدة بتحالف غير مكتوب تحصل مصر بموجبه على مساعدات أمريكية تقدر بأكثر من مليارى دولار سنويا.. هذا لا يعنى أن يتحول هذا التحالف إلى وصاية ولا إلى تبعية تلغى إرادة مصر وتتدخل فى رسم سياساتها الخارجية والداخلية.. إذا كان مسموحا للولايات المتحدة بالتعليق على بعض الأحداث فى مصر بدعوى حماية حقوق الإنسان، فإنه من غير المسموح لها تحت أى بند أن تتدخل فى تحديد علاقاتنا مع أشقائنا فى العالمين العربى والإسلامى.
من المفارقات الغريبة أن اليوم الذى أعلنت فيه الولايات المتحدة عن أسفها لقرار استئناف رحلات الطيران بين مصر وإيران، أقيم احتفال ضخم فى مقر القنصلية الإسرائيلية بنيويورك بمناسبة توقيع اتفاق يقضى بتزويد الولايات المتحدة إسرائيل بـ 20 طائرة مقاتلة من طراز إف 35 الأكثر تطورا فى العالم.. هذه الطائرات قادرة على ضرب أهداف فى كافة الدول المجاورة لإسرائيل، كما تمكنها من ضرب أهداف مماثلة فى إيران نفسها دون أن تكشفها الرادارات.. هل من حق مصر أن تعرب عن أسفها وقلقها من هذه الصفقة التى تخل بمبدأ توازن القوى فى منطقة الشرق الأوسط بأكملها لصالح المحتل الإسرائيلى؟ ولماذا لم يراع الحليف الأمريكى مصالح أصدقائه العرب عندما وقع هذا الاتفاق الخطير الذى يأتى فى توقيت انتصر فيه منطق وزير الخارجية الإسرائيلى المتطرف "أفيجدور ليبرمان " بتدمير المفاوضات المباشرة بسبب التمسك باستمرار بناء المستعمرات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية وسط عجز الراعى الأمريكى، وانتصر منطق التطرف اليهودى على منطق الرئيس الأمريكى باراك أوباما المعسول للعرب والمسلمين بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة فى القدس الشرقية!
قرار القيادة السياسية المصرية بتسيير رحلات بين القاهرة وطهران يثبت بأن مصر تتمتع بإرادة سياسية لا تلين وأنها تدافع عن مصالحها العليا مهما كانت الضغوط الخارجية.. وكان الرئيس مبارك واضحا فى تعليقه الذكى على هذه الخطوة بأن مصر تفصل بين المصالح الاقتصادية والمواقف السياسية فى علاقاتها مع إيران.. تعليق الرئيس يثبت بأن لمصر ملاحظات على الأطماع الإيرانية فى كل من العراق والخليج وتنزعج من علاقاتها مع حماس فى فلسطين والحوثيين فى اليمن.. لكن هذا لا يعنى أننا يمكن أن نتجاهل أهمية وجود علاقات طبيعية مع إيران باعتبارها واحدة من القوى الإسلامية التى لا يستهان بها وأن قوتها ربما تكون إضافة إلى قوة مصر وليس خصما منها..
قرار استئناف رحلات الطيران سيفتح آفاقا واسعة أمام الاستثمارات المشتركة ومن ثم يخلق آلافا من فرص العمل أمام الشباب المصرى.. وبمنطق المصالح والبزنس، فإن مصر المستفيد الأول من هذا القرار لأن هناك حوالى مليون سائح إيرانى كانوا فى انتظار هذا القرار منذ سنوات حتى يتمكنوا من زيارة المزارات الدينية الشيعية المنتشرة فى مواقع القاهرة الإسلامية المختلفة.. أما فيما يتعلق بالتخوف من نشر التشيع أو الأفكار الثورية بين المصريين فهذه الحجة يمكن الرد عليها بالثقة فى جهاز الأمن المصرى القادر على حماية الجبهة الداخلية من أى اختراق، كما أنه معروف عن مصر أنها سنية المذهب شيعية الهوى.. دروس التاريخ تثبت أن مصر لا تخشى من خطر إيران إنما الخطر الحقيقى الذى يهدد مصر وإيران معا هو إسرائيل التوسعية.. وهذا ما يجب على قادة البيت الأبيض أن يعوه جيدا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة