لم أكن أتخيل حين كتبت مقالى السابق الذى حمل عنوان "عفوا والدى العزيز.. لقد غيرت دينى" أنه سيحدث كل هذا الجدل وردود أفعال القراء المتباينة التى رفعنى بعضها إلى السماء وألقانى بعضها الآخر إلى أسفل سافلين، فاتهمنى بالكفر والنفاق وشكك فى دينى الذى أعتز وأفتخر به وأحمد الله أننى ولدت وسأموت عليه، جعل أصحاب هذه التعليقات من أنفسهم آلهة أو ملائكة يحاسبون البشر على نواياهم وانبرى كل منهم ليؤكد أننى اشترى مكسبا دنيويا رخيصا مقابل غضب الله وأننى "حاشا لله" أبيع دينى مقابل لقمة العيش وتنطبق على الآية الكريمة "يوم يعض الظالم على يديه ويقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا" صدق الله العظيم، وأخف هذه الاتهامات أننى ساذجة أو مغيبة.
شعرت بالحزن الشديد ولم يكن هذا الإحساس لأننى لا يتسع صدرى للنقد واختلاف الرأى ولكن لأن محتوى التعليقات الذى هاجمتنى جعلنى أشعر أننى حقا ساذجة، فقد كنت دائما أشعر بالحزن والقلق على هذا الوطن الذى أعشق ترابه حين أرى هذا التعصب الذى يفيض من تعليقات القراء مسلمين ومسيحيين على أى موضوع يتناول أحداث الفتنة الطائفية وردود أفعال الجانبين ولم أكن أتمنى يوما أن يكون ما أكتبه سببا لاستفزاز هذا الغضب الذى تحمله الصدور، كنت أتمنى أن تكون كلماتى بردا وسلاما على القلوب الغاضبة تذكر بأننا إخوة وشركاء وطن وأن نيران الغضب إذا اشتعلت ستحرقنا جميعا.
حقا إننى ساذجة لأننى دائما أؤمن أن كل مشكلاتنا يمكن أن تجد حلا ويمكن أن تتغير حياتنا إذا ما وضع كل منا نفسه مكان الآخر وشعر بآلامه، إذا وضع الطبيب نفسه مكان المريض وإذا وضع المسئول نفسه مكان المواطن وهكذا، وحين كتبت مقالى السابق الذى تحدثت فيه عن فيديوهات الأسلمة والتنصير التى تظهر من خلالها الفتيات سواء مسلمات أو مسيحيات لتعلن أى منهن أنها غيرت دينها وعن تأثير هذه الفيديوهات ونشرها على نطاق واسع على الأسرة من ناحية وعلى إثارة الغضب والفتنة من ناحية أخرى دون أن أحدد أو أقصد فيديو أو فتاة بعينها ويعلم الله بنيتى وليس البشر الذين حاكمونى وجلدونى باتهاماتهم والذين تحدث كل منهم وكأنه يعلم الغيب والسرائر ليقسم بالله أننى أعنى فقط الفيديوهات التى تظهر فيها الفتيات المسيحيات وهن يعلن إسلامهن وأننى أقصد تحديدا فتاة قنا، وبنى كل منهم تعليقه على هذا الافتراض حتى الإخوة المسيحيين الذين أبدوا إعجابهم بالمقال بعضهم أعتقد نفس الاعتقاد رغم أننى كنت أعنى الحالتين إعلان فتاة مسلمة أنها اعتنقت المسيحية وإعلان فتاة مسيحية أنها اعتنقت الإسلام، فكما أن هناك فيديوهات للفتيات اللاتى يعتنقن الإسلام هناك فيديوهات أخرى لفتيات مسلمات تعلن كل منهن أنها اعتنقت المسيحية تبثها قناة ذكريا بطرس التنصيرية وتبث تقريبا نفس الرسالة بأنها كانت على باطل وأنها الآن عرفت طريق الحق وتدعو أهلها وأصدقاءها لاعتناق المسيحية.
ولكن يبدو أن حالة الاحتقان الطائفى التى وصلنا إليها جعلت كل منا يعتقد أنه لابد وأن ينحاز كل من يتعرض لمثل هذه الموضوعات لطرف على حساب الآخر وأنه من المستبعد أن يتحدث أى منا بحيادية عن مشاعر إنسانية نشعر بها جميعا إذا مررنا بنفس الموقف وهو ما وقعت فيه بسبب السذاجة التى اتهمنى بها البعض، فقد تحدثت عن مشاعر أسرة الفتاة- أى فتاة مسلمة كانت أو مسيحية- حين يرون هذه الفيديوهات على اليوتيوب وحين تصبح ابنتهم مثارا لحديث الناس.
هذه المرة - وبكل سذاجة أيضا- أدعو من هاجمونى أن يشعر كل منهم بمشاعر والد أسماء الفتاة التى تنصرت منذ سنوات، والتى سبق وكتبت عنها وعن حالة والدها ذاك الرجل المسكين الذى تعاملت معه عن قرب ورأيت كيف أصبح حطام إنسان ترى انكسار عينيه ودموعه وصوته الضعيف وهو يتحدث عن ابنته الغائبة التى بثت فيديو مثل هذه الفيديوهات على قناة الحياة وعن الحرب الدائرة على غرف "البال توك" بين مجموعات مسلمة وأخرى مسيحية تتنافس كل منهما فى اجتذاب شباب من الجانبين لاعتناق الإسلام أو المسيحية وكيف وقعت ابنته ضحية لهذه المجموعات.
وكيف أصيبت والدتها بكل الأمراض حزنا وكمدا على ابنتها وعلى ما لحق بالأسرة مما يعتبره كل المصريين سواء مسلمين أو مسيحيين عارا إذا غابت الفتاة عن بيتها وكان ذلك مصحوبا بإعلانها تغيير ديانتها وزاد عليه أن تعلن هذا فى فيديو يشاهده الملايين ولا يتيح للأب أن يخفى الخبر- الذى يعتبره عارا - عن الأهل والجيران وأقرب الأقارب حفاظا على ماء وجهه بادعاء أنها خطفت أو غابت أو تاهت أو حتى أنها ماتت. بكل سذاجة فإننى أعلنت فقط عن رفضى لهذه الفيديوهات على الجانبين لأننى شعرت بمأساة والد أسماء وإحساسه بالانكسار أمام كل من يعرفهم ولا أرضى لأى أب أو أم أن يشعروا بهذه الأحاسيس المؤلمة.
حقا إننى ساذجة أيها العقلاء لأننى أتذكر دائما أن ديننا الذى نعتز به أوصانا بالوالدين وبالإحسان إليهما والرحمة بهما ومراعاة مشاعرهما حتى وإن كانا مشركين فى قوله تعالى: "وصاحبهما فى الدنيا معروفا"– فما بالنا لو كانا مسيحيين ممن وصفهم القرآن بأنهم الأقرب الينا مودة– وكما أوصت بهما نصوص المسيحية التى تقول "أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لِكَى تَطُولَ أَيَّامُكَ، وَلِكَى يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ علَى الأَرْضِ". فهل يكون نشر هذه الفيديوهات للفتاة المسلمة أو المسيحية ما يمكن اعتباره إكراما وإحسانا بالوالدين حتى وإن كانت الفتاة قد استخدمت أرق الكلمات؟ وإذا كان البعض قد أكد أننى كنت سأقوم بنفس الإجراء إذا كنت مكان أى من هؤلاء الفتيات لحماية نفسى فأؤكد له أننى لم أكن لأفعل ذلك حتى وإن كانت حياتى هى الثمن لأننى أعرف أننى بذلك قد أتسبب فى صدمة لأبى وأمى قد يدفع أى منهما حياته ثمنا لها. وإننى بهذا الفيديو أكون قد قطعت ما يمكن أن يوصل فيما بعد بينى وبينهم.
وإذا كانت بعض التعليقات أكدت أن نشر هذه الفيديوهات يحمى الفتاة إذا اعتنقت الإسلام حتى تثبت أنها اعتنقته بمحض إرادتها أمام الادعاء بأنه تم اختطافها وأنها بذلك تحمى نفسها من أن يتم تسليمها رغما عنها للكنيسة فى ظل ضعف الدولة بعدما حدث لوفاء قسطنطين وكاميليا زاخر، مؤكدين أنه لو كانت كل منهما سجلت فيديو تعلن فيه إسلامها لما تمكنت الكنيسة والدولة من الادعاء بأنهن مسيحيات، فإننى بحكم سذاجتى أسأل هؤلاء العقلاء إذا افترضنا كل هذه الافتراضات فهل حقا سيكون نشر هذا الفيديو وسيلة لحماية الفتاة؟ ألم نشاهد جميعا فيديو لكاميليا فى بداية الأزمة وهى ترتدى الحجاب تعلن فيه أنها أسلمت بمحض إرادتها، وبعد أن تسلمتها الكنيسة رأينا فيديو آخر لها يبدو فيه أنها تتحدث أيضا بمحض إرادتها لتؤكد أنها مسيحية ولم تعتنق الإسلام؟ وأخذ كل فريق يشكك فى فيديو الفريق الآخر ويؤكد أنه مفبرك، فأى الفريقين نصدق؟ وإذا افترضنا ضعف الدولة أمام الكنيسة والتزامها بتسليم من تعلن إسلامها فهل تعجز الدولة فى هذه الحالة عن أن تقبض على الفتاة إذا عرفت مكانها وأن تسلمها للكنيسة وتدعى أن الفيديو الذى سجلته مفبرك؟ لتظهر لنا الفتاة فى فيديو آخر تؤكد فيه أنها مسيحية!
ولأننى حقا ساذجة أسأل العقلاء هل نترك أمن الوطن مرهونا بهذه الفيديوهات التى تشعل أكثر مما تطفئ؟ وإذا كانت الفتاة ترى أن هذا الفيديو يساعدها لتأمين نفسها ألم يكن يكفيها إرسال نسخة منه إلى أسرتها وإخفاء نسخة أخرى فى المكان الأمين الذى تعيش فيه أو مع من تثق بهم لإظهاره إذا حدث لها مكروه طالما أنها تؤكد أنها تعيش فى أمان، وما الداعى لاستفزاز الأسرة بنشره على هذا النطاق الواسع وبما يثير الفتنة ولا يمنع كما ادعى البعض الطرف الآخر من التظاهر بدعوى أن الفيديو مفبرك وأن الفتاة تم التغرير بها.
وإذا كان البعض اتهمنى بأننى تجاهلت قضية وفاء قسطنطين فإنه لا يعلم أننى كثيرا ما كتبت عن وفاء وواجب الدولة فى حمايتها وخطأ تسليمها للكنيسة أو احتجازها فيها إن كانت قد أعلنت إسلامها أو حتى ظلت مسيحية، فالكنيسة ليست مكانا للاحتجاز أو الحبس وعن ضرورة إظهارها للرأى العام حتى تهدأ الفتنة المثارة حولها، أما كاميليا فلا يزال الغموض يكتنف مصيرها وأتشكك فى كل ما يثار عنها من الجانبين وأتفق مع كل الآراء التى أكدت أن السبب وراء كل ذلك هو ضعف الدولة وعدم حسمها لهذه الأمور.
إننى أتعاطف وأشفق على هؤلاء الفتيات وكنت أتمنى أن توفر لهن الدولة الحماية اللازمة حتى لا نقع جميعا فريسة لهذه المهاترات، ولكن هل نطلب الحماية فقط للمسيحيات اللاتى يعتنقن الإسلام أم نطلبها أيضا للفتيات اللاتى يتنصرن من المسلمات؟ سؤال لساذجة أتمنى أن أجد الإجابة عنه عند العقلاء الذين اتهمونى بكل التهم والذين لوح بعضهم باستخدام حد الردة مع المتنصرات دون أن يدرك شروط وظروف تطبيق هذا الحد الذى وجد فيه من قاموا بتنصير أسماء وغيرها خير وسيلة لتخويفها من العودة لأسرتها وليقطعوا عليها هذا الطريق بالفيديو الذى سجلته وأذاعته قناتهم التنصيرية.
وفى النهاية أعلنكم أيها العقلاء الذين اتهمتمونى بما أنا بريئة منه أننى سأظل دائما متمسكة بما ترونه سذاجة حتى أظل دائما أشعر بآلام غيرى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة