أخيرا اجتمعت الحكومة، وتحرك الوزراء، ورفعت التقارير للبحث عن سر الطماطم وارتفاع أسعارها المفاجئ، وهل هى بالفعل حمرا أم مجنونة، وبشكل عام أصبحت الطماطم قضية محورية تدور حولها الأمور من خلال المركز والأطراف، ومحاولة الفهم الإستراتيجى لقضية الطماطم، من شأنه أن يقدم تفسيرات لما يجرى من حولنا. سواء قضية الأسعار أو قضية الدستور الجريدة أو الدستور المدونة.
فالطماطم التى عرفت طوال تاريخها الخضرواتى والسعر بأنها مجنونة، ومعروف بالضرورة أنها حمراء، تبدو كأنها تمردت على هذه الفكرة. ورفضت الطماطم الانسياق للنظريات المطروحة والفهم الكلاسيكى للاقتصاد السياسى والمنزلى. خاصة أنها لم تعد الوحيدة المجنونة من بين الخضراوات والفواكه. كما كان الناس يظنون حتى وقت قريب. ولم تعد الطماطم هى الاستثناء، حيث كانت أسعارها ترتفع وحدها وتبقى الخضراوات من كوسة وبطاطس وفاصوليا عند معدلاتها الطبيعية.
لكن ما جرى وقلب الموازين أن الفاصوليا مثلا تجاوزت الطماطم فى جنونها، مع أن الفاصوليا "مش حمرا"، وانضمت إليها الكوسة والبطاطس والخيار والأرز والسكر والمكرونة والدقيق وكلها مواد غذائية ليست حمرا .
وتعددت التفسيرات الرسمية لارتفاع الأسعار، واجتهد كل وزير لتقديم تفسير مختلف لارتفاع الأسعار بما يعنى أن الحكومة بوزرائها لا تجتمع على رأى واحد. فقد اعتبر الدكتور عثمان، وزير التنمية الاقتصادية، أن الارتفاع الحالى هو تضخم مؤقت، وموسمى أو نتيجة تغير فى الطقس أو ثقافة سائدة فى المجتمع. ونفى أن تكون لأسباب هيكلية فى الاقتصاد، ولم ينس الدكتور عثمان التأكيد أن الاقتصاد تمكن من تجاوز الأزمة المالية العالمية، وعاد إلى مستويات نمو معقولة. وقال: "إن معدل النمو سيتجاوز 6% بنهاية العام الجارى".
تفسير آخر لارتفاع الأسعار يقدمه وزير الزراعة الذى قال إن سوء النقل وفاقد الخضراوات وراء ارتفاع أسعارها. والدكتور نظيف، رئيس الوزراء، بناء على تعليمات الرئيس عقد اجتماعات وطلب تقارير حول ارتفاع الأسعار، وخرج المتحدث باسم مجلس الوزراء ليعلن أن ارتفاع الحرارة على غير معدلاتها وراء ارتفاع أسعار الطماطم الحمرا، بالإضافة إلى ما أسماه المتحدث "الآليات غير المناسبة" "غير المواتية" للسوق الداخلى و"لوجيستيات النقل" والتى أدت إلى زيادة حدة المشكلة.
المتحدث باسم مجلس الوزراء كان قد سخر فى بنى سويف من موضوع الطماطم، ورأى أن الصحفيين يهزرون عندما يتحدثون عن الطماطم أو القطن أو الخضراوات على أساس أن رئيس الوزراء عنده انشغالات أهم، وعاد المتحدث ليتحدث وينفى ما تحدث به بعد أن اكتشف أن الرئيس مهتم بالطماطم والفاصوليا. فعاد ليؤكد أن الفاصوليا والطماطم مش عيب.
لكن مع أن الحكومة قدمت تفسيرات عديدة لارتفاع الأسعار فإن أى من هذه التحليلات لم يربط بين برنامج "حمرا" الذى قدمه إبراهيم عيسى، وبين ارتفاع أسعار الطماطم، فهل كان عيسى يستبق الأحداث وهو يعلن أنها "حمرا"، وبالتالى فمسئوليته واضحة فى الاحمرار والجنون. وهل تم الربط بين الجنون المؤقت الذى أصاب الطماطم وعدوى الجنون التى أصابت باقى الأسعار وتجاوزت القوطة إلى باقى الخضراوات، والاحمرار والجنون الذى اجتاح المجمعات الانتخابية.
هذا ما يمكن أن تتوصل إليه الحكومة الإلكترونية فى الحلقات القادمة من بحثها عن العلاقة المتوازية. بين الجنون والاحمرار وضمانات العملية الانتخابية التى يصعب معرفة كونها حمرا أم مجنونة.